“العمال العرضيون” يفجرون أزمة جديدة بين رؤساء الجماعات ووزارة الداخلية

الرباط: إدريس بنمسعود

في تطور لافت يسلط الضوء على اختلالات تدبير الشأن المحلي، أفادت مصادر مطلعة أن عدداً من رؤساء الجماعات الترابية في جهات الدار البيضاء–سطات، والرباط–سلا–القنيطرة، وفاس–مكناس، تفاجؤوا مؤخراً برفض عمال الأقاليم والعمالات التأشير على نفقات تتعلق بأجور وتعويضات “العمال العرضيين”، رغم إدراجها ضمن الميزانيات المصادق عليها خلال دورات أكتوبر العادية.

ووفق المعطيات ذاتها، فإن قرارات الرفض جاءت على خلفية ملاحظات تتعلق بـ الارتفاع غير المبرر للمخصصات المالية الموجهة لهذا البند، إذ تجاوزت في بعض الحالات الطاقة المالية والهيكلية للجماعات المعنية. ومن الأمثلة الصارخة، جماعة تابعة لإقليم برشيد لا يتجاوز عدد سكانها 110 آلاف نسمة، خصصت أزيد من 585 مليون سنتيم لتعويض أكثر من 200 عامل عرضي في سنة واحدة، وهو رقم وصفته مصادر إدارية بـ”غير المتوازن إطلاقاً مع حجم الجماعة وإمكانياتها”.

وتشير التقارير التي توصلت بها السلطات الإقليمية إلى وجود خروقات متعددة في تدبير عقود هذه الفئة، أبرزها تجديد العقود بشكل متواصل كل ثلاثة أشهر دون دراسة الأثر المالي، واستعمال “العمال العرضيين” في مهام هامشية مثل حراسة ملاعب القرب أو أراضٍ جماعية مهجورة، دون توثيق رسمي يضمن الشفافية أو التتبع الإداري.

وفي هذا السياق، كانت وزارة الداخلية، عبر الوزير عبد الوافي لفتيت، قد وجهت مراسلة صارمة إلى الولاة والعمال تذكّرهم بضرورة تطبيق مضامين منشور 2009 المنظم لفئة “العمال العرضيين”، والمطالبة بتقارير دقيقة حول وضعيتهم، في إطار عملية تقييم وطنية تروم ضبط الكلفة المالية لهذه العقود، وقطع الطريق أمام أي توظيف سياسي أو انتخابي محتمل لهذه الفئة.

المعطيات التي تم تجميعها من مختلف العمالات أكدت أن عدداً من رؤساء الجماعات يستعملون “العمال العرضيين” كأداة انتخابية، من خلال تشغيلهم في مهام دائمة دون مساطر قانونية، بل وتفويضهم لتسيير مصالح حساسة داخل الجماعة، في تجاوز واضح للضوابط الإدارية، ما تسبب في ارتباك في أداء المرافق الجماعية وتضخم النفقات التشغيلية.

وأفادت المصادر نفسها أن لجان تفتيش تابعة للمفتشية العامة للإدارة الترابية رصدت في تقاريرها الأخيرة مؤشرات مقلقة، من بينها تضخم قيمة التعويضات المحالة على القباض، وإضافة مكافآت عن العمل خلال العطل والأعياد ونهايات الأسبوع دون مبررات قانونية. هذا الوضع دفع بعض رؤساء الأقسام ومديري المصالح إلى إصدار مذكرات داخلية عاجلة تمنع توقيع أي إشهادات غير قانونية، وتلزم الجميع باحترام النصوص المنظمة لأيام العمل القانونية.

ويبدو أن ملف “العمال العرضيين” مرشح لمزيد من التصعيد، في ظل توجه وزارة الداخلية نحو تشديد المراقبة القبلية والبعدية على النفقات الجماعية، وربط المسؤولية بالمحاسبة في كل ما يتعلق بتدبير الموارد البشرية المحلية، خصوصاً حين تتحول من أداة لخدمة المرفق العام إلى ورقة انتخابية ومصدر نزيف مالي يثقل كاهل ميزانيات الجماعات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى