التضخم يثير المخاوف والاستثمارات والصادرات أبرز المساندين لاقتصاد المغرب سنة 2023
أوجاع اقتصادية خلفتها الأزمات العالمية التي لازالت تداعياتها تقض مضجع المغاربة منذ العام الماضي، واكبتها الحكومة بخطوات غير تقليدية وتسعى إلى جني ثمارها خلال العام الجاري.
يأمل المغرب بالعام الجديد طي صفحة 2022 وحصد ثمار عدة مبادرات أطلقتها المملكة خلال الأشهر الماضية لتلافي أثر الأزمات من ارتفاع أسعار المواد الأولية نتيجة تعثر سلاسل الإمداد عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما أثر على العجز التجاري للبلاد ودفع التضخم لأعلى المستويات وصولاً إلى تأثيرات موسم الجفاف.
وبينما يمثل ارتفاع الأسعار أبرز التحديات التي تواجه اقتصاد المملكة خلال العام الجاري، تظهر الصادرات كداعم أكبر للاقتصاد في 2023 بعدما كانت مسانداً له العام الماضي.
التضخم مستمر
مازالت الضغوط التضخمية تُلقي بظلالها على الاقتصاد، بعدما دفعت البنك المركزي لرفع سعر الفائدة مرتين في العام الماضي بـ100 نقطة أساس إلى 2.5%، إذ يُتوقّع أن يصل التضخم إلى 6.6% مقابل 1.4% في 2021، على أن يناهز 3.9% في 2023، وهو ما قد يستلزم تشديداً آخرَ للسياسة النقدية في أولى جلسات السياسة النقدية لبنك المغرب المركزي في مارس المقبل.
وفي هذا الصدد، قال والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، في مؤتمر صحافي، إن تأثير رفع الفائدة سيظهر في بداية العام 2023، إذ سيتم تقييم تأثير الرفع الأول الذي تم في سبتمبر على مستوى فوائد القروض الممنوحة من البنوك لصالح الأفراد والشركات، وسيمتد التأثير إلى النمو الاقتصادي.
بالإضافة إلى كبح جماح التضخم، يُراهن المغرب على موسم زراعي جيد لرفع الإنتاج الوطني من الحبوب، إلا أن هذا يبقى رهناً بكمية الأمطار التي تستقبلها البلاد في 2023 التي يعتمد عليها القطاع الزراعي الذي يُسهم بـ14% في الناتج المحلي الإجمالي.
الأوضاع الاقتصادية الدولية لا زالت صعبة ومعقدة ولها تأثيرات مستمرة، بحسب محمد شوكي، رئيس لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب المغربي الذي أضاف أنَّ “الحكومة تبذل جهوداً لخلق الفرص من الأزمات”.
زيادة الاستثمارات لتحفيز النمو في 2023
يُتوقع أن يبلغ إنفاق الحكومة على الاستثمار العمومي في العالم الحالي حوالي 28 مليار دولار. وتستهدف المملكة تحقيق نمو اقتصادي بمعدل 4% مقابل 1.5% في 2022، وخفض عجز الميزانية إلى 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 5.3% المتوقَّع مع نهاية 2022.
وكالة “موديز” قالت في تقرير أصدرته يوليو الماضي إن المغرب أظهر كفاءة في تدبير الأزمات وتحسين الحوكمة بما يسمح بتحسن تدريجي لوضعية الميزانية والمديونية، وتتوقع أن يسجل اقتصاد البلاد نمواً بما يتراوح بين 3 إلى 3.5% حتى 2025، وبخصوص عجز الميزانية تشير إلى 6.2% و5.8% و5.3% لسنوات 2022 و2023 و2024.
وتشير وكالة “فيتش” في تقرير أصدرته في نوفمبر أن البلاد تواجه نمواً متباطئاً بـ1,1% نتيجة موسم الجفاف الأكثر قسوة منذ عقود والتضخم الذي يؤثر على الاستهلاك ووتيرة التمويل، ناهيك عن الظرفية الدولية المتقلبة، بينما تتوقع نمواً اقتصادياً بـ2.8% عام 2023 ليرتفع إلى 3.2% في 2024.
مبادرات حكومية لدعم الاستثمارات
في شهر أكتوبر الماضي، أطلق الملك المغربي محمد السادس مبادرةً تهدف لضخ استثمارات بـ50 مليار دولار على مدى 5 سنوات، بالتعاون بين الحكومة والقطاعين الخاص والمصرفي، لخلق 500 ألف فرصة عمل جديدة.
مُحسن جزولي، وزير الاستثمار، قال في تصريح إعلامي سابق، إنَّ أهداف هذه المبادرة قابلة للتحقق، وأضاف “نستطيع تسجيل حوالي 100 مليار درهم بنهاية العام الحالي، وهناك إمكانية كبيرة لتجاوز المستهدف (البالغ 50 مليار دولار) بحلول 2026”.
الرهان معقود على تحفيز الاستثمار الخاص لرفع حصته إلى الثلثين مقابل الثلث حالياً والمساهمة بشكل أكبر في تحريك عجلة الاقتصاد، وذلك من خلال ميثاق الاستثمار الجديد الذي يتيح حوافز مالية وضريبية لشركات القطاع الخاص للاستثمار، وهو ما من شأنه أن يعيد الثقة للمستثمرين في مواجهة سياق عدم اليقين، وفق تصريح محمد شوكي.
بحسب المعطيات التي قدمها وزير الصناعة والتجارة رياض مزور، فإن الاستثمار الأجنبي والمحلي في القطاع الصناعي سيتجاوز 10 مليارات دولار العام الماضي، على أن يشهد نمواً قوياً خلال 2023 ليساهم في خلق 100 ألف فرصة شغل صافية.
إلى جانب مبادرة الـ “50 مليار دولار”، فعّلت الحكومة صندوق محمد السادس للاستثمار الاستراتيجي الذي تلقى مساهمة أولية بـ1.4 مليار دولار، ويرتقب أن يجلب تمويلات محلية ودولية من الخليج وأوروبا لبلوغ 14 مليار دولار في السنوات المقبلة، بحسب وزير الاستثمار.
الصندوق عقد أول اجتماع لمجلس إدارته برئاسة مديره محمد بنشعبون، وزير المالية الأسبق، بنهاية العام الماضي، ومن المنتظر أن يمول المشاريع الاستثمارية الكبرى في إطار شراكات مع القطاع الخاص، كما سيدخل في رأسمال الشركات الصغرى والمتوسطة، ويمنح القروض للشركات النشيطة في القطاعات ذات المردودية العالية، وفقاً لبيانات إنشائه.
ولتحريك عجلة سوق المال، بدأت “الوكالة الحكومية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة” عملها رسمياً بالشروع في دراسة إمكانيات خصخصة 57 شركة حكومية، إما عن طريق الإدراج في البورصة أو البيع لشركات خاصة أو دولية.
يتماشى تفعيل هذه الوكالة مع طموحات بورصة الدار البيضاء برفع عدد الشركات المدرجة بنحو 5 أضعاف، إلى 350 شركة بحلول عام 2035، من 75 حالياً، بحسب تصريحات كمال مقداد، رئيس مجلس إدارة البورصة، في مقابلة إعلامية، أي بمعدل طرح 20 شركة سنوياً للاكتتاب على مدى الأعوام الـ13 المقبلة.