فرنسا الاستعمارية في السراء والضراء
أبت مجموعة من القنوات التلفزية والمنابر الإعلامية الفرنسية التي تدور في فلك دائرة القرار الفرنسي، إلا أن تثير الضجيج على بلاغات وبيانات ورسائل التضامن التي صدرت عن مختلف دول العالم والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، والتي عبرت فيها عن استعدادها لتقديم كافة أنواع المساعدة والإغاثة للساكنة التي تضررت من الزلزال المدمر الذي عرفته منطقة الحوز، وأن تشوش على التعبئة الشاملة للسلطات العمومية ومنظمات المجتمع المدني والشعب المغربي لإغاثة منكوبي ضحايا هذه الكارثة الطبيعية.
وقد تم الترويج بطريقة ممنهجة ومدروسة إلى أن المغرب قد رفض طلبها بتقديم المساعدة لضحايا زلزال منطقة الحوز بشكل يوحي بأنها الأولى والأجدر بذلك، كأنها دولة استثنائية يجب أن تعامل بطريقة متفردة على باقي الطلبات التي انهالت على الدبلوماسية المغربية من كافة الدول الصديقة والشقيقة.
ولا يختلف إثنان أن الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والأعاصير والبراكين وحالات الجفاف الحادة، تعتبر لحظة إنسانية بكل المقاييس، بحيث تعلق الدول كل خلافاتها السياسية إلى حين لمواجهة الأوضاع الناتجة عن هذه الكوارث التي تتطلب التضامن والتعاون والمساعدة بين الدول والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، بعيدا عن كل توظيف سياسي.
و تنشط الدبلوماسية الدولية في مثل هذه الظروف لتقديم يد المساعدة للدولة المتضررة، والتي لا يمكن أن تكون في جميع الأحوال إلا بتنسيق مع الدولة المتضررة التي تمتلك حق وسلطة تدبير عروض المساعدات الإنسانية الدولية حسب تقييمها للأوضاع الميدانية وتقديرها للأولويات، بحيث يقع على الدولة المتضررة المسؤولية الأولى عن مباشرة المساعدات الإنسانية في إقليمها وتنظيمها وتنسيقها حسب ما جاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم46/182 المتعلق ب بتعزيز تنسيق المساعدة الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة في حالات الطوارئ، بل حتى المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الدولية غير حكومية كأطباء بلا حدود والهلال الأحمر الدولي والصليب الأحمر الدولي لا تتم إلا بعد موافقة سلطات الدولة المتضررة.
فالدولة المتضررة لها الحق المطلق في تنسيق عملية المساعدات وضبطها حسب حاجيات السكان ونوعية الإعانات والمساعدات التي يحتجونها، وهو ما ينسجم تماما مع ديباجة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 43/131 الذي صدر سنة 1988 المتعلق بالمساعدات الإنسانية إلى ضحايا الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ المماثلة، التي أكدت على أنه يجب مراعاة سيادة الدول وسلاو سلامتها الإقليمية ووحدتها الوطنية قبل كل شيء.
وهذا ما حاول بلاغ وزارة الداخلية توضيحه بشأن قبول المغرب طلب مساعدة أربعة دول هي إسبانيا وقطر والأمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة، حينما أشار إلى أنه في إطار تبني مقاربة تتوافق مع المعايير الدولية في مثل هذه الظروف، أجرت السلطات المغربية تقييما دقيقا للاحتياجات في الميدان آخذة بعين الاعتبار أن عدم التنسيق في مثل هذه الحالات سيؤدي إلى نتائج عكسية، وإنه ومع تقدم عمليات التدخل يمكن أن يتطور تقييم الاحتياجات المحتملة، مما قد يؤدي للجوء إلى عروض الدعم المقدمة من دول أخرى صديقة، حسب احتياجات كل مرحلة على حدة.
ففتح المجال لكافة الدول التي أعربت عن تقديم المساعدة الميدانية لضحايا الزلزال والتي تتجاوز ستين دولة وأكثر من ثلاثين منظمة دولية حكومية وغير حكومية، في منطقة جغرافية شديدة الصعوبة والخصوصية الاجتماعية والثقافية، قد يجعل عملية الإغاثة أكثر تعقيدا من حيث تنظيم مختلف الفرق التي تحتاج إلى التنسيق فيما بينها والتواصل المحكم مع السلطات المغربية وفرق الإنقاذ المحلية ومع ضحايا وساكنة المنطقة المنكوبة.
فالأمر يتعلق باختيارات سيادية تقدرها الدولة المغربية حسب مصالحها القومية التي تحددها طبيعة ودرجة العلاقات التي تربطها بالدول الصديقة والشقيقة، ولا يمكن أن يخضع فيها المغرب لأي نوع من الضغط السياسي والإعلامي من طرف دولة لازالت لم تستوعب بعد أنها باستعلائها وابتزازها واستمرار اعتبار إفريقيا حديقتها الخلفية، يدفع الدول إلى الابتعاد عن كل ما يأتي من فرنسا حتى لوكانت المساعدات الإنسانية.
وفرنسا هو البلد الوحيد الذي حاول أن يشوش على عروض المساعدات الدولية التي عبأتها عدد من الدول من أجل إغاثة ضحايا زلزال منطقة الحوز، بشكل يفتقد إلى اللباقة الدبلوماسية وأن يفرض قبول عرض مساعدته على المغرب، لكي يستغل هذا الظرف الإنساني لتحقيق مأرب سياسية عجزت عن تحقيقها في الظروف العادية، عكس الديبلوماسية الألمانية التي اعتبرت أن الحكومة الألمانية لا تعتقد أن هناك دلائل على أن القرار الذي اتخذته المملكة المغربية هو قرار سياسي بعدم الرد على عروض المساعدة الألمانية لضحايا الزلزال، وأن العلاقات بين البلدين جيدة، وأن المملكة المغربية قد قدمت شكرها لألمانيا على تقديم المساعدة، وهو الشكر الذي قدمه الملك محمد السادس خلال جلسة العمل التي ترأسها يوم السبت، للبلدان الصديقة والشقيقة التي أبدت تضامنها مع الشعب المغربي والتي أكدت العديد منها استعدادها لتقديم المساعدة في هذه الظرفية الاستثنائية.