إصلاح أم تراجع؟ تساؤلات حول تفويض تحصيل الجبايات المحلية لإدارة الضرائب
بقلم: الخبير المالي مصطفى الورياغلي
صادق مجلس الحكومة اليوم الخميس على مشروع قانون جديد يُفوض رسمياً لإدارة الضرائب مهمة تحصيل رسم السكن والخدمات الجماعية، في خطوة وُصفت بأنها إصلاحية، تروم تحقيق النجاعة وتحسين تدبير الجبايات المحلية.
ورغم وجاهة الأهداف المعلنة إلا أن هذا القرار يفتح نقاشاً عميقاً حول مستقبل الجهوية واللامركزية في المغرب، ومدى توافق هذا التوجه مع روح الإصلاح الجبائي المنشود.
نقلة تقنية أم تراجع عن اللامركزية؟
في الظاهر يُمثل هذا التوجه حلاً عملياً لتجاوز اختلالات تعاني منها الجماعات الترابية، مثل ضعف التحصيل، وغياب آليات ناجعة لتدبير الرسوم. فإدارة الضرائب تتمتع بخبرة تنظيمية وكفاءات بشرية وتقنية تجعلها أكثر قدرة على ضبط الوعاء
الضريبي وتحسين نسب الاستخلاص
لكن في العمق تطرح هذه الخطوة علامات استفهام حقيقية حول ما إذا كنا أمام إصلاح جبائي أم عودة خفية إلى المركزية في تدبير الموارد.
فالجماعات الترابية وفقاً للدستور المغربي، تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي، وهو ما يستلزم منحها الأدوات الكفيلة بتدبير شؤونها بنفسها، بدل تجريدها تدريجياً من صلاحياتها المالية.
وإذا تم تبرير هذا القرار بضعف بعض الجماعات، فإن الجواب لا يجب أن يكون بالتفويض المطلق، بل بدعم القدرات وتطوير الكفاءات المحلية.
مخاطر التعميم وإغفال الفوارق الترابية
لا يمكن مقاربة الجبايات المحلية بعقلية واحدة لكل الجماعات. فهناك تفاوتات مجالية عميقة، تجعل فرض رسوم موحدة أو تحصيل مركزي دون مراعاة مستوى التجهيز والخدمات أمراً يفتقر للعدالة الترابية. كما أن نقل مهمة التحصيل دون ضمان إشراك الجماعات في عملية التقييم والمراقبة قد يُكرس الإقصاء من تدبير جزء مهم من الموارد الذاتية.
من أجل إصلاح متوازن وعادل
إذا كان لا مفر من تطوير أداء الجبايات المحلية، فإن الطريق إلى ذلك يجب أن يمر عبر إصلاح تشاركي، يوازن بين النجاعة التقنية واحترام الاستقلال الترابي. ومن هذا المنطلق، يمكن اقتراح ما يلي:
خلق شراكات واضحة بين إدارة الضرائب والجماعات تضمن تبادل المعطيات والشفافية.
تقوية البنية الرقمية والإدارية للجماعات، لتمكينها من مواكبة التحصيل ومراقبته.
مراعاة خصوصيات كل جماعة في تسطير الرسوم وتحديد نسبها.
اعتماد نماذج انتقالية تسمح للجماعات القوية بالاحتفاظ ببعض صلاحياتها الجبائية.
في الختام لا يكفي أن نُحسن أدوات التحصيل، بل الأهم هو ضمان عدالة جبائية تُرسخ الثقة بين المواطن، الجماعة، والدولة. فالإصلاح الحقيقي لا يختزل في “من يُحصّل”، بل في “كيف نُحصّل، ولمصلحة من؟”.