“الزلزال الرقمي: المغرب في مواجهة صادمة مع هشاشة مؤسساته”
الرباط: إستثمار
في زمن تتباهى فيه الدولة بخطواتها “الواثقة” نحو الرقمنة، جاء الحدث الصادم ليفضح الهشاشة المروّعة التي تسكن تحت واجهة أنيقة. فقد تعرّض الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أحد أهم المؤسسات العمومية في المغرب، لاختراق واسع النطاق، خلّف وراءه واحدة من أكبر فضائح تسريب المعطيات الشخصية والمهنية في تاريخ البلاد.
ماذا حدث بالضبط؟
قاعدة بيانات الصندوق، التي تضم معلومات حساسة عن ملايين الأجراء والشركات المغربية، جرى اختراقها، وتسريب محتوياتها إلى العلن.
لم تكن مجرد أسماء أو أرقام هواتف. نحن نتحدث عن:
أسماء الشركات، عناوينها، حساباتها البنكية، هوية المسيرين، ووضعيتها القانونية.
أجور الأجراء المصرّح بها، من ضمنها أجور تفوق 100 مليون سنتيم شهرياً.
التصريحات الشهرية الكاملة التي تكشف الهيكلة الداخلية والإنتاجية لعدد هائل من المقاولات.
هذه المعطيات لم تُسرّب إلى جهات معينة، بل أصبحت متوفرة في مواقع وقنوات عامة، يمكن لأي متطفل، هاوٍ أو محترف، أن يطّلع عليها ويستغلها.
أبعاد الكارثة
هذا الاختراق لا يُعدّ فقط تهديداً للأمن الرقمي، بل يشكّل صفعة لثقة المواطن في مؤسسات الدولة، خاصة في سياق يُراد فيه للمغاربة أن يضعوا مستقبلهم المالي والمهني داخل تطبيقات ومنصات رقمية.
المخاطر متعددة:
الابتزاز: أفراد وشركات على حدّ سواء معرّضون لضغوط نفسية ومالية.
التجسس الصناعي: معطيات الشركات المسربة تساوي ذهباً لمنافسين أجانب.
سرقة الهويات والمعاملات الاحتيالية: أرضية مثالية لهجمات التصيد وجرائم رقمية أكثر تعقيداً.
تقويض مشروع الرقمنة: كيف يمكن الحديث عن “الدرهم الرقمي” في ظل هذه الكارثة؟
الدولة في قفص الاتهام
من يتحمل المسؤولية؟
أين كانت أجهزة المراقبة؟
هل خضعت بنية الصندوق لاختبارات اختراق حقيقية؟
ولماذا لم يُعلن عن الحادث رسمياً؟ لماذا تم التعامل معه بصمت شبه تام؟
هذه الأسئلة وأكثر تطارد اليوم المؤسسات المسؤولة. بل إن حجم التسريب قد يعرّض المغرب إلى مساءلات قضائية دولية، باعتبار المعطيات تشمل شركات متعددة الجنسيات وشركاء أجانب.
انعكاسات مرتقبة
لا شك أن هذه الفضيحة ستترك أثرها في أكثر من قطاع. من المرجّح أن تُعيد الشركات النظر في تعاملها مع مؤسسات الدولة، وقد يلجأ بعضها إلى حلول خارجية لحماية معطياتها. الأجراء أنفسهم قد يفقدون الثقة في التصريح بأجورهم الحقيقية، ويفضلون التحوّل إلى القطاع غير المهيكل.
في المقابل، قد تنتعش السوق المحلية لشركات الأمن السيبراني، وقد تجد الدولة نفسها مضطرة لإعادة هيكلة شاملة لأنظمتها الرقمية، وإعادة ترتيب أولوياتها بعيداً عن الشعارات المكرورة.
الخلاصة
ما وقع ليس مجرد خلل تقني، بل زلزال مؤسساتي يضع المغرب في مواجهة واقعية مع تحديات العصر الرقمي.
الرقمنة ليست “تطبيقاً” على الهاتف ولا منصة إلكترونية، بل مشروع سيادي يتطلب كفاءة، رقابة، وحوكمة حقيقية.