رقمنة الفلاحة المغربية… رهان المعرض الدولي بمكناس لكسب معركة الماء والتنمية
مكناس: إستثمار
في لحظة دقيقة يواجه فيها القطاع الفلاحي بالمغرب تحديات متشابكة تتعلق بندرة المياه وتغير المناخ وضغوط السوق، يسلط المعرض الدولي للفلاحة بمكناس، في دورته السابعة عشرة، الضوء على خيار استراتيجي بات ضرورياً: التحول الرقمي للفلاحة كبديل حتمي عن النماذج التقليدية التي لم تعد قادرة على مواكبة متغيرات العصر.
تحت شعار “الفلاحة والعالم القروي: الماء في قلب التنمية المستدامة”، تنطلق فعاليات المعرض من 21 إلى 27 أبريل، بمشاركة أزيد من 1500 عارض من 70 دولة، في لحظة تتقاطع فيها الإشكالات البيئية والاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمتها أزمة الماء التي تفرض إعادة التفكير في نموذج الإنتاج الفلاحي برمّته.
الرقمنة: من خيار تقني إلى رافعة تنموية
أصبح التحول الرقمي اليوم أكثر من مجرد إدماج للتكنولوجيا في العمل الفلاحي، بل تحول إلى رافعة تنموية متكاملة تشمل جوانب الإنتاج، والتسويق، وتدبير الموارد، والتخطيط الترابي. وقد أدركت المملكة المغربية، من خلال استراتيجيتها “الجيل الأخضر”، أهمية هذه النقلة، فتم إدماج مفاهيم الزراعة الذكية والتتبع الرقمي للضيعات في السياسات الفلاحية.
ويشكل القطب الموضوعاتي الخاص بـ”الرقمنة في الفلاحة” في معرض مكناس دليلاً على هذا التحول، حيث تعرض فيه حلول مبتكرة تشمل:
أنظمة ذكية للري بالتنقيط مرتبطة بمحطات استشعار الطقس.
تطبيقات رقمية لتسيير الضيعات وتتبع الإنتاج في الزمن الحقيقي.
طائرات بدون طيار لرصد حالة التربة والمحاصيل.
برمجيات للتوقعات المناخية وتحديد فترات الزرع والحصاد المثلى.
من الفلاح التقليدي إلى المقاول الرقمي
يتطلب هذا التحول ثورة ثقافية ومهنية داخل الأوساط القروية. لم يعد الفلاح اليوم مجرد عامل يدوي، بل أصبح مطالباً بأن يكون مقاولاً رقمياً، يتعامل مع المعطيات، ويتخذ قراراته بناء على بيانات دقيقة، ويستثمر في التكنولوجيا لرفع مردودية ضيعته مع الحفاظ على الموارد الطبيعية.
ومن هذا المنظور يقدم المعرض منصة للقاء بين الشركات الناشئة في مجال “AgriTech”، والمهنيين، والمؤسسات الداعمة، من أجل تسريع انتقال الفلاحة المغربية نحو الذكاء الاصطناعي والتحليل البياني، بما يضمن استدامتها وربحيتها في الآن ذاته.
الماء والرقمنة: ثنائية استراتيجية
في ظل الأزمة المائية، تبرز الرقمنة كأداة فعالة لضبط الاستهلاك والتحكم في تدبير المياه، من خلال نظم الرصد المبكر للتبخر، وتحليل رطوبة التربة، والتدخل التلقائي في السقي. إن توجيه الاستثمارات نحو هذه الحلول الرقمية لا يعزز فقط مردودية الاستغلاليات، بل يمثل درعاً واقياً ضد التقلبات المناخية التي أصبحت السمة الغالبة في السنوات الأخيرة.
المغرب منصة إقليمية للابتكار الفلاحي
من خلال تنظيم هذا المعرض، وتركيزه على الرقمنة، يرسّخ المغرب مكانته كمنصة إقليمية للابتكار الفلاحي في إفريقيا والعالم العربي. وهو ما تؤكده المشاركة الواسعة لبلدان إفريقية وأوروبية في هذه الدورة، فضلاً عن استضافة فرنسا كضيف شرف، في بُعد يعكس التكامل بين الابتكار والتعاون الدولي في مواجهة تحديات الغذاء والماء.
يبعث المعرض الدولي للفلاحة بمكناس رسالة واضحة: الرقمنة لم تعد ترفاً، بل ضرورة حيوية لضمان فلاحة مستدامة، مرنة، وقادرة على الصمود. وتكمن قوة هذا التحول في أنه لا يمس فقط الوسائل، بل يعيد صياغة علاقة الفلاح بالأرض، بالبيئة، وبالسوق، في أفق فلاحة مغربية رقمية ومتصلة بالعالم.