
كشمير مجددًا: تصعيد غير مسبوق يُقرب الهند وباكستان من حافة الانفجار النووي

بقلم المهدي الوزاني: أستاذ العلوم السياسية
في منطقةٍ يُفترض أن تُجسّد جمال الطبيعة وسحر الجغرافيا، تحوّلت نزهة سياحية في وادي بيساران بكشمير إلى مجزرة دامية، تهدد بإعادة العالم إلى شفا حرب نووية لا يمكن تصور عواقبها. التصعيد الحاصل بين الهند وباكستان ليس مجرد أزمة حدودية جديدة، بل هو مؤشّر خطير على انهيار منظومة “توازن الردع النووي” التي صمدت عقودًا بين دولتين تمتلكان من أدوات التدمير ما يكفي لإبادة مدن وشعوب خلال دقائق.
لكن ما الذي يجعل هذه الأزمة مختلفة؟ ولماذا تبدو الاحتمالات أكثر قتامة من أي وقت مضى؟

أولاً: السياق التاريخي المتجدد
منذ استقلال الهند وباكستان عام 1947، تظل كشمير بؤرة صراع مزمن، خاض فيه الطرفان ثلاث حروب، وكانت على وشك الانفجار النووي في أكثر من مناسبة. كل تصعيد كان يُخمد بفعل ضغوط دولية، أو خوف متبادل من “الخيار النووي”. لكنّ تصعيد أبريل 2025 كسر هذا النمط.
الحدث الذي فجّر الأزمة كان هجومًا مسلحًا استهدف مدنيين في وادي بيساران، راح ضحيته 26 شخصًا. ومع أن جماعة محلية أعلنت المسؤولية، فإن الهند حمّلت باكستان المسؤولية، متهمة جماعة “لشكر طيبة” ذات الصلة بأجهزة الأمن الباكستانية.
ثانيًا: التحول في قواعد اللعبة
الردود الهندية تجاوزت التقليدي:
تعليق معاهدة مياه نهر السند (1960)، والتي تُعد بمثابة صمام أمان مائي في جنوب آسيا.
طرد الدبلوماسيين الباكستانيين، وإغلاق الحدود، وإلغاء التأشيرات.
التهديد الضمني بـ”ردّ غير مسبوق”، وهو مصطلح يوحي بتغيير قواعد الاشتباك.
في المقابل، باكستان ردّت بتصعيد مماثل:
إغلاق المجال الجوي.
قطع العلاقات التجارية.
تعليق اتفاقية “شيملا” (1972)، التي تحظر التصعيد في كشمير.
تهديد واضح بأن أي تلاعب بمياه السند سيُعد إعلان حرب.
ثالثًا: المقارنة مع أزمات سابقة
في أزمة كارجيل عام 1999، كادت الحرب النووية تندلع، لكن كليهما تراجعا تحت ضغط أمريكي. وفي 2019، عقب هجوم “بولواما”، حدث تصعيد مشابه، لكنه بقي مضبوطًا. الفرق اليوم أن التوازن تغيّر:
الهند أكثر جرأة تحت قيادة مودي، الذي يعتمد خطابًا قوميًا متشددًا.
باكستان أكثر هشاشة اقتصاديًا، لكنها تستند لتحالف قوي مع الصين.
المجتمع الدولي أقل تدخلاً، في ظل انشغالات كبرى (أزمات الطاقة، الحرب التجارية، وتنافس المحاور الكبرى).
رابعًا: البعد الجيوسياسي
الهند مدعومة من الولايات المتحدة ضمن إطار احتواء الصين، بينما تُعد باكستان جزءًا من المحور الصيني الإيراني، وتحظى بدعم روسي صامت. هذا يجعل الصراع قابلًا للاتساع، ليشمل لاعبين عالميين في حال تحوّل إلى مواجهة شاملة.
خامسًا: سيناريوهات محتملة
1. تهدئة مؤقتة عبر وساطة خارجية (الولايات المتحدة، الصين، دول الخليج).
2. مواجهة محدودة داخل كشمير، مع تفادي استخدام الأسلحة الثقيلة.
3. تصعيد نووي تكتيكي، في حال شعرت إحدى الدول بتهديد وجودي مباشر (وهو السيناريو الكارثي).
الهجوم الأخير في كشمير ليس مجرد عمل إرهابي معزول، بل لحظة كاشفة لانهيار خطوط الأمان بين قوتين نوويتين. الفرق اليوم أن “الرادع النووي” لم يعد يضمن السلام، بل قد يكون هو نفسه عنصر تفجير.
فالمعادلة تغيّرت، والضمانات سقطت، والخوف لم يعد رادعًا كافيًا… ما يجعل الساعات القادمة حاسمة في رسم ملامح منطقة جنوب آسيا، وربما مستقبل الأمن العالمي.





