المغرب يراهن على نموذج جديد للنقل الحضري بين طموح الإصلاح وإرث الاختلالات

الرباط: ريم بنكرة

أعاد وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت النقاش حول مستقبل النقل العمومي بالمغرب إلى الواجهة، من خلال إعلان استراتيجية شاملة للفترة 2025-2029، تقوم على رؤية مغايرة للتجارب السابقة التي لطالما وُصمت بالارتجال والقصور في الاستجابة لحاجيات المدن الكبرى والمتوسطة.

فالبرنامج الجديد، الذي رُصدت له اعتمادات مالية ضخمة تناهز 11 مليار درهم، لا يقتصر على اقتناء نحو 3.800 حافلة وتجهيزها بأنظمة رقمية للتذاكر والمراقبة والتوجيه، بل يتجاوز ذلك إلى إعادة هيكلة العلاقة بين الدولة والجماعات الترابية والمشغلين الخواص، عبر الفصل بين الاستثمار والاستغلال، واعتماد عقود حديثة قابلة للتتبع الرقمي، وهو ما يشكل قطيعة مع الأساليب التقليدية التي راكمت الأعطاب والفجوات.

وعند مقارنة هذه المقاربة مع نماذج سابقة، يتضح أن الدولة تسعى إلى تجاوز إشكالية هشاشة الأسطول وغياب استدامة التمويل، التي عانت منها مدن مثل الدار البيضاء والرباط في العقدين الأخيرين. فالمشاريع المهيكلة، مثل الترامواي والحافلات عالية الجودة، وإن شكلت نقلة نوعية، إلا أنها لم تحل دون استمرار مظاهر الاكتظاظ، وضعف التغطية، وتفاوت الخدمات بين الأحياء، ما كشف الحاجة إلى رؤية أكثر تكاملاً وشمولاً.

من زاوية أخرى، يحمل البرنامج الجديد بعداً اجتماعياً يميز التجربة الحالية عن تجارب الأمس. إذ يشدد على إدماج التزامات قانونية واجتماعية واضحة ضمن عقود التدبير، لضمان حقوق العاملين في القطاع من حيث التغطية الاجتماعية، التقاعد، وظروف العمل. وهنا يبرز عنصر المقارنة: ففي السابق كان تركيز الإصلاح على الوسائل التقنية والبنى التحتية، بينما يُدرج البعد الاجتماعي اليوم كشرط أساسي للحكامة، في انسجام مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المغرب.

يبقى الرهان الحقيقي أمام هذه الاستراتيجية هو القدرة على التفعيل الميداني، خصوصاً أن التمويل يعتمد على مساهمة الجهات (ثلث) وصندوق مواكبة إصلاحات النقل (ثلثين)، ما قد يثير إشكالات تفاوت القدرات المالية بين الجماعات. كما أن نجاح هذه السياسة سيُقاس بمدى انعكاسها على الحياة اليومية للمواطن، من خلال تخفيف الاكتظاظ، تقليص أزمنة التنقل، وضمان خدمات تحترم المعايير الدولية.

بهذا المعنى، يبدو أن المغرب يدخل مرحلة جديدة في مسار إصلاح النقل الحضري، مرحلة تقوم على إدماج التكنولوجيا الاستدامة الاجتماعية، وتعبئة الموارد المالية الكبرى. غير أن التحدي الأكبر يظل في الانتقال من “إعلان النوايا” إلى “تجسيد المخرجات” على أرض الواقع، بما يعيد الثقة في خدمة عمومية طالما اعتُبرت من بين أكثر الخدمات إثارة لانتقادات المواطن المغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى