بني ملال:استثمار
افتتحت صباح الجمعة بمدينة بني ملال فعاليات ندوة وطنية ، تنظمها أكاديمية التربية والتكوين لجهة بني ملال-خنيفرة على مدى يومين، وذلك في مسعى لتوطيد والنهوض ب”مدرسة المواطنة والتربية على القيم بالمؤسسات التعليمية”، وإعادة الاعتبار لها من أجل أن تضطلع بوظيفة التربية وترسيخ القيم لدى الأجيال الصاعدة.
وأبرز مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة بني ملال خنيفرة السيد مصطفى السليفاني، في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية لهذه الندوة ، التي تنظم بشراكة مع منظمة “التضامن الجامعي المغربي” وبتعاون مع جامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، أهمية القيم عموما، والقيم في المؤسسات التعليمية على وجه التحديد، اعتبارا لكون هذه الأخيرة “تظل من أقوى المؤسسات الاجتماعية، التي تعمل على تكوين سلوك الأفراد، قصد تأهيلهم للقيام بوظائفهم الأساسية في المجتمع، والإسهام في تدبير وتنظيم الشأن الاجتماعي، وتنمية الجوانب العلائقية والتواصلية بين مختلف مكونات المجتمع، مما يجعل دورها محوريا في الارتقاء بالفرد والمجتمع على المستوى السلوكي والقيمي، إضافة إلى باقي المهام المنوطة بها في مجال نشر العلم والمعرفة”.
وفي هذا الصدد، ذكر السليفاني بالرسالة التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى المشاركين في الندوة الوطنية التي نظمها المجلس الأعلى للتعليم في موضوع “المدرسة والسلوك المدني” يومي 23 و 24 ماي 2007، والتي أكد فيها جلالته على دور المدرسة في النهوض بالسلوك المدني، مستعرضا المرجعيات المعتمدة في تحديد الاختيارات الكبرى للمنظومة التربوية، والتي ركزت جميعها على الجانب القيمي، من قبيل الدستور والميثاق الوطني للتربية والتكوين وكذا الرؤية الاستراتيجية 2030 ـ 2015.
وأضاف أن تنظيم هذه الندوة، يهدف إلى إعادة فتح النقاش حول “القيم في المؤسسات التعليمية”، وضمان الالتقائية بين مجهودات مختلف المتدخلين في هذا الإطار، لإعادة طرح الأسئلة الضرورية، والبحث عن الأجوبة والحلول العملية، التي من شأنها أن تكرس دور المدرسة في تحقيق التنمية المستدامة، وجعلها فضاء للتعايش والتسامح، ونبذ التطرف والعنف بكل أشكاله.
وفي هذا الإطار، أوضح أن أكاديمية جهة بني ملال-خنيفرة عملت على تنزيل مشروع “دعم تعزيز التسامح والسلوك المدني والمواطنة، والوقاية من السلوكات المشينة بالوسط المدرسي”، الذي يندرج في إطار اتفاقية الشراكة الموقعة بين وزارة التربية الوطنية، والرابطة المحمدية للعلماء، وبدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بهدف تعزيز السلوك المدني والمواطنة لدى الشباب، وتوفير الإجابات الكافية لمواجهة السلوكات ذات الأبعاد الخطيرة، كما تم تمويل خمسة عشر (15) ثانوية في الإطار نفسه، بالإضافة إلى اعتماد سفراء للمواطنة بالجهة من الفنانين والفاعلين.
وأعلن بالمناسبة عن تنظيم جائزة الاستحقاق السنوية في مجال القيم والسلوك المدني بالمؤسسات التعليمية بالجهة، ابتداء من الموسم الدراسي الحالي، لتحفيز وتشجيع المؤسسات التعليمية الأكثر ترسيخا وتفعيلا لقيم المواطنة والسلوك المدني، وهي الجائزة التي ستكون مفتوحة في وجه جميع المؤسسات التعليمية بالجهة، بالأسلاك التعليمية الثلاثة.
وأشاد والي جهة بني ملال-خنيفرة وعامل إقليم بني ملال السيد عبد السلام بكرات بموضوع الندوة ، الذي يكتسي أهمية محورية في مسار ” بناء مدرسة تشكل فضاء لاكتساب العلم من جهة، والتشبع بالقيم الإنسانية النبيلة من جهة أخرى “، معتبرا أن ذلك يشكل فرصة “لإعادة طرح الأسئلة حول الأسباب الكامنة وراء ظهور بعض الظواهر والسلوكيات السلبية الغريبة على المجتمع المغربي، ما يؤشر على نكوص في القيم والأخلاق”.
وفي هذا السياق، شدد على الدور الكبير الذي تضطلع به الأسرة والمدرسة العمومية في التربية وترسيخ قيم المواطنة والسلوك المدني، داعيا إلى تضافر جهود الجميع من جمعيات مجتمع مدني وجماعات ترابية ونقابات وكل المؤسسات والوسائط الاجتماعية لبناء “مغرب موحد، متشبت بقيم الانفتاح والوسطية والاعتدال والتفاهم المتبادل…”.
وسجل رئيس جامعة السلطان مولاي سليمان نبيل حمينة، انخراط هذه الأخيرة بكل مكوناتها في ترسيخ الغاية المثلى من التربية على القيم وثقافة حقوق الإنسان في بعدها الشمولي، المتمثل في “تكوين مواطن مغربي متشبث بالثوابت الدينية والوطنية لبلاده، مدرك لواجباته وحقوقه قادر على مواجهة ما أحدثته الثورة التكنولوجية والمعرفية المعاصرة بوسائلها وبما أفرزته من تراكمات معرفية وعلمية من تغيرات جذرية في بنية وطبيعة العلاقات بين الأفراد وأساليب تواصلهم الاجتماعي من جهة، وما صاحبها من تداعيات اقتصادية وثقافية واجتماعية وإديولوجية على جميع المجتمعات من جهة أخرى، والمتمثلة في العنف والتطرف وتهديد الأمن في المجتمع”.
واعتبر أن تنمية قيم المواطنة لدى الطلبة يمكن أن تتم من خلال مساهمة المناهج والمقاربات البيداغوجية في تكوين الطالب المواطن، وإذكاء الوعي بأهمية حقوق الإنسان عن طريق عقد المؤتمرات والندوات والملتقيات الوطنية والدولية، والإسهام من خلال البحث العلمي في تأصيل المواطنة وعلاقتها بحقوق الإنسان، والتعاون العلمي بين المراكز والهيئات الوطنية والأجنبية في تعزيز قيم المواطنة، وتجسيد قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في مؤسسات التعليم العالي.
من جهته وبنفس المناسبة، أوضح ممثل منظمة “التضامن الجامعي” (إطار تأسس سنة 1934 يهتم بمخاطر مهنة التعليم ومواجهة العنف في الوسط المدرسي، وتكوين أعضاء الأسرة التعليمية في مجال حقوقهم وواجباتهم) ، أن دراسة ميدانية حول العنف ضد أعضاء الهيئة التعليمية، أشرفت على إنجازها منطمته المذكورة، أظهرت على الخصوص أن حالات العنف ترتفع مع زيادة عدد التلاميذ في القسم بنسبة تتراوح ما بين 24 في المائة و57 في المائة حسب المستويات.
وأن الوسط غير المؤمن لمحيط المؤسسة يساهم في وجود حالات عنف بنسبة 60 في المائة، وأن 41 في المائة من الأساتذة تعرضوا للعنف داخل الأقسام ، و36 في المائة في الساحة، و 7 فاصلة خمسة في المائة تعرضوا للعنف الجسدي على الأقل مرة واحدة في مسارهم المهني، وأن 40 في المائة تعرضوا للعنف اللفظي من لدن التلاميذ.
وأبرز أن العمل البيداغوجي يشكل أهم ” وسيلة لترسيخ السلوك المدني، من خلال مساهمات الهيئة التعليمية عبر المواد التي يدرسونها في تكوين مواطن الغد علميا وعمليا، وتربيتهم على التعايش والحرية واحترام الرأي الآخر، والمساهمة في بناء مجتمع ديمقراطي حداثي، متماسك يعتز فيه المواطن بانتمائه لوطنه”.
وتتمحور الندوة حول جلستين تتناولان “دور البرامج والمناهج في ترسيخ التربية على المواطنة والسلوك المدني في المؤسسات التعليمية” و”دور الحياة المدرسية والجامعية في ترسيخ قيم المواطنة والسلوك المدني”، إضافة إلى تنظيم ورشات حول “مقاربات ومنهجية ترسيخ التربية على المواطنة والسلوك المدني في المؤسسات التعليمية”.
وجاء في أرضية هذه الندوة ، أن المنظمين يسعون من خلال تنظيم هذا اللقاء العلمي إلى “ملاءمة المناهج والوسائل الديداكتيكية من أجل كسب رهان ترسيخ قيم المواطنة والسلوك المدني داخل فضاء المؤسسة التربوية ، وبناء نموذج عملي لتنزيل القيم إلى الممارسة الصفية، والحياة المدرسية، وإيجاد المقاربة الملائمة والمتناسبة مع حاجيات المتعلم ، بغاية اكتساب سلوك إيجابي، وتحسين صورة المؤسسة وإعادة الاعتبار إليها كمؤسسة تنهض بوظيفة التربية، وتأطير الأطر التربوية والإدارية وتحفيزهم على الانخراط في التربية على القيم، وتحفيز المؤسسات التعليمية على إدماج البعد القيمي في بناء مشروع مؤسسة”.
يشار إلى أن وزارة التربية الوطنية اختارت برسم الموسم الدراسي الحالي شعار” مدرسة المواطنة” بهدف تعزيز ثقافة التسامح والسلوك المدني والمواطنة والوقاية من السلوك المنحرف في الوسط المدرسي، تنزيلا لمقتضيات الرؤية الاستراتيجية 2015/2030.