
جيل “زيد” يرفع ملتمس الرقابة الاجتماعية: إخفاق حكومي وتآكل الثقة في التواصل الرسمي
الرباط: إدريس بنمسعود
تشهد مختلف مدن المغرب منذ أسابيع موجة احتجاجات غير مسبوقة يقودها شباب أطلق عليهم الإعلام وصف “جيل زيد”؛ جيل وُلد في زمن الوعود المتكررة، وكبر على إيقاع الإحباط من تدهور أوضاع التعليم والصحة، وتفشي الفساد وغياب العدالة الاجتماعية.
لكن هذه الاحتجاجات لم تكن مجرد غضب اجتماعي، بل تحوّلت إلى ملتمس رقابة شعبي بعد أن فشل البرلمان في ممارسة الرقابة السياسية التقليدية على الحكومة.
ضعف التواصل… عقدة الحكومة التي يقودها أخنوش
في خضم هذا الحراك، برزت أزمة تواصل حادة بين الحكومة والمجتمع، خصوصاً مع فئة الشباب التي تشكّل النسبة الأكبر من المحتجين.
فالحزب الذي يقود الحكومة، حزب التجمع الوطني للأحرار، لم ينجح في بناء قنوات حقيقية للتواصل مع الشارع، واكتفى بتسويق إنجازاته عبر خطاب دعائي تلميعي ركّز على صورة رئيسه، عزيز أخنوش، أكثر مما ركّز على قضايا المواطن اليومية.
عدد من الفاعلين السياسيين والمحللين أجمعوا على أن الحكومة الحالية أضاعت فرصة ذهبية لاستعادة الثقة، حين فضّلت الاستثمار في حملات إعلامية محسوبة على منابر وصحفيين قريبين من محيط الحزب، بدل الانفتاح على نقد بنّاء وحوار مباشر مع الرأي العام.
وهكذا تحوّل الخطاب الحكومي إلى صدى داخل غرفة مغلقة، بينما كان الشارع يغلي بأسئلة لا تجد جواباً.
التعليم والصحة.. جبهتا الغضب المفتوحتان
في قلب المطالب الشعبية، يتصدر قطاعا التعليم والصحة قائمة الإخفاقات التي دفعت جيل “زيد” إلى الشارع.
ففي المدارس العمومية، ما تزال الأقسام تعاني الاكتظاظ ونقص الأطر والبنيات التحتية، فيما لم تُثمر الإصلاحات المتكررة سوى عن نتائج متواضعة.
أما في المستشفيات، فقد تحوّل العلاج إلى امتياز طبقي، بين من يستطيع الولوج إلى المصحات الخاصة ومن يضطر إلى الانتظار في طوابير المستشفيات العمومية التي أنهكها العجز وقلة الموارد.
الفساد… العنوان الدائم لكل احتجاج
يتفق المحتجون على أن الفساد هو أصل الداء. فكل تأخر في مشروع أو فشل في خدمة عمومية هو، في نظرهم، نتيجة مباشرة لغياب المحاسبة واستمرار الامتيازات.
جيل “زيد” لا يطالب بإسقاط الحكومة بقدر ما يطالب بإسقاط منطق الإفلات من العقاب، ومحاسبة من جعل التنمية رهينة الحسابات السياسية والمصالح الضيقة.
رقابة من الشارع بعد فشل البرلمان
بعد سقوط ملتمس الرقابة السياسي داخل البرلمان، بدا أن الشارع قرر ممارسة رقابته بطريقته الخاصة.
الاحتجاجات الأخيرة لم تنطلق من حزب أو نقابة، بل من وعي جماعي جديد يرى أن الشرعية السياسية لا تكتمل دون شرعية اجتماعية.
وقد رفضت فئات واسعة من الشباب دعوات الحوار التي أطلقتها الحكومة، معتبرة أن الثقة مفقودة وأن الاستقالة هي الحل الطبيعي لحكومة فقدت القدرة على الإصغاء.
السلطة تغيّر أسلوبها
ومن الملاحظ أن السلطات العمومية تراجعت عن التدخل العنيف ضد المتظاهرين، في خطوة فُسّرت على أنها إدراك رسمي بأن القوة لم تعد تجدي في مواجهة الغضب الشعبي، وأن التعامل الأمني الصارم لن يُسكت صوت الشارع هذه المرة، بل سيزيده اشتعالاً.
هذا التحول في المقاربة الأمنية يعكس وعياً جديداً بأن المشكل لم يعد في الشارع بل في طريقة تدبير الدولة للحوار مع المجتمع.
أخنوش في مأزق سياسي
مع توالي الانتقادات واتساع رقعة الاحتجاجات، بدأت نهاية عزيز أخنوش السياسية تُطرح كمسألة وقت أكثر منها احتمالاً بعيداً.
فالحكومة التي لم تستطع بناء جسور الثقة، ولم تُقنع الشباب بخطابها، تقف اليوم أمام منعطف مصيري.
فإما أن تعيد بناء نموذج جديد في التواصل والحكامة، أو تواجه خطر الانهيار السياسي الذي بدأت مؤشراته تظهر بوضوح في الشارع، والإعلام، وحتى داخل الأغلبية نفسها.
جيل “زيد” ليس خصماً للدولة، بل هو ضميرها الحي الذي يذكّرها بأن التنمية لا تُبنى بالدعاية ولا بالصور، بل بالثقة والإنصات والعمل الحقيقي.
لقد رفع الشباب ملتمس رقابتهم بصوت الشارع، بعدما خفت صوت الرقابة في البرلمان.
فهل تلتقط الحكومة الرسالة قبل أن تتحوّل الاحتجاجات إلى استفتاء شعبي على نهايتها السياسية؟





