الحجز على الحسابات والقيد الاحتياطي… كيف تحوّلت إجراءات بسيطة إلى كابوس قانوني يطارد زبناء الأبناك بالمغرب؟

تشهد الساحة البنكية في المغرب تصاعداً لافتاً في عدد الشكايات المرتبطة بعمليات الحجز على الحسابات البنكية والقيد الاحتياطي على الأملاك العقارية للزبناء، خصوصاً في حالات لم تُغلق فيها الحسابات الجارية بشكل نظامي رغم توقف أصحابها عن استعمالها منذ سنوات. ويتصدر البنك العقاري والسياحي (CIH) قائمة المؤسسات المثارة حولها الشكايات، وفق ما يتداوله المتضررون وجمعيات حماية المستهلك.

هذه الظاهرة، التي كان ينبغي أن تظل ضمن الهامش الاستثنائي للإجراءات البنكية، تحولت إلى إشكال بنيوي يعكس خللاً على مستويين: غموض العلاقة التعاقدية بين البنك والزبون، وضعف الوعي بالقوانين البنكية، ثم غياب آليات فعالة لتنظيم عمليات إغلاق الحسابات.

الحسابات “المهجورة” تتحول إلى ديون… فهل يتحمل الزبون وحده المسؤولية؟مع

المشكل يبدأ عادةً عند توقف الزبون عن استعمال حسابه البنكي دون تقديم طلب رسمي للإغلاق، ما يؤدي إلى استمرار احتساب مصاريف التدبير البنكي (Frais de tenue de compte)، إضافة إلى فوائد التأخير أو رسوم إضافية بحسب كل بنك. ورغم أن هذه المصاريف تبدو بسيطة في البداية، إلا أنها، على مدى سنوات، تتحول إلى مبلغ كبير قد يفوق قدرة الزبون على الأداء.

غير أن الإشكال الأكبر يكمن في أن العديد من الزبناء لم يُبلَّغوا مطلقاً بوجود متأخرات على حسابهم، رغم أن القانون البنكي يلزم المؤسسات المالية بإخطار الزبون قبل اتخاذ أي إجراء تحصيلي أو قضائي.

القيد الاحتياطي والحجز… إجراءات قانونية أم تعسفية؟

في السنوات الأخيرة، برزت بشكل واضح شكايات متزايدة تتعلق بقيام بعض الأبناك بطلب قيد احتياطي على أملاك الزبناء أو مباشرة إجراءات الحجز التحفظي على حساباتهم البنكية أو الممتلكات المسجلة بأسمائهم، حتى عندما يتعلق الأمر بمبالغ صغيرة لا تتناسب إطلاقاً مع حجم الإجراء المتخذ.

هذا التفاوت بين قيمة الدين وحجم الإجراء المتخذ يطرح سؤالاً مشروعاً:
هل تحترم البنوك مبدأ التناسب المنصوص عليه في القانون؟

يؤكد خبراء القانون أن الحجز والقيد الاحتياطي من حيث المبدأ حق قانوني للمؤسسة البنكية، لكنه مشروط بوجود دين ثابت ومؤكَّد ومبلَّغ للزبون مسبقاً. غير أن ما يحدث في بعض الحالات، وفق معطيات جمعيات حماية المستهلك، هو اللجوء إلى هذه المساطر بشكل آلي دون التأكد من احترام مسطرة الإشعار أو التأكد من علم الزبون بوجود المتأخرات.

البنك العقاري والسياحي (CIH)… في واجهة الانتقادات

من بين المؤسسات الأكثر وروداً في شكايات المواطنين يبرز البنك العقاري والسياحي CIH، حيث يؤكد مجموعة من الزبناء أن الحسابات التي لم تُغلق — غالباً بسبب انتقال سكن أو تغيير ظروف مهنية — تحولت إلى ديون فجائية، أعقبها حجز أو قيد احتياطي على ممتلكاتهم.

تشير شهادات إلى:

عدم تلقي إشعار مسبق بالديون المتراكمة.

لجوء البنك مباشرة إلى المساطر القانونية دون محاولة التسوية الودية.

وجود ملفات مبالغ فيها من حيث مصاريف التسيير والفوائد.

هذه الانتقادات دفعت جمعيات حماية المستهلك إلى المطالبة بفتح نقاش وطني حول قانونية هذه الإجراءات ومدى احترامها لحقوق الزبناء.

فراغ قانوني ومقتضيات غامضة… هل يساهم التشريع في تعقيد الوضع؟

ينص القانون البنكي المغربي على وجوب احترام المؤسسة المالية لمبادئ:

الإشعار المسبق

الشفافية في احتساب الرسوم

التناسب في الإجراءات القانونية

حماية الزبون باعتباره الطرف الأضعف

لكن واقع الممارسة يُظهر أن:

بعض الأبناك لا توجه إشعارات منتظمة للزبناء.

حسابات مهجورة تتحول إلى ديون دون إعلام أصحابها.

غياب إطار واضح يحدد كيفية تدبير الحسابات غير النشيطة.

وجود تضارب في تفسير بعض المواد القانونية، خصوصاً تلك المرتبطة بالمتابعات القضائية.

هذا الفراغ يجعل الزبون ضحية سلسلة من الإجراءات المعقدة والمتتابعة، تبدأ بمصاريف بسيطة وتنتهي بحجز فعلي على الحساب أو العقار.

بنك المغرب… غائب أم يتحرك ببطء؟

باعتباره الهيئة الرقابية العليا، يُفترض في بنك المغرب فرض احترام قواعد حماية المستهلك المالي، غير أن متتبعين يصفون دوره بـ”البطيء” أو “غير الحاسم”، خاصة في الملفات المرتبطة:

بالرسوم غير المبررة

بالحسابات المهجورة

بإجراءات التحصيل المبالغ فيها

بغياب التواصل مع الزبناء

وبالرغم من إطلاق “بوابة شكايات بنك المغرب”، إلا أن العديد من المواطنين يشتكون من بطء معالجة الملفات أو عدم إعادة الأمور إلى نصابها إلا بعد شهور طويلة.

من يتحمل المسؤولية؟

وفق تحليل مختصين، تتحمل الأطراف الثلاثة أوجهاً مختلفة من المسؤولية:

1. المؤسسات البنكية
استعمال إجراءات ثقيلة وغير متناسبة مع قيمة الدين، وضعف التواصل مع الزبناء.

2. الزبون
عدم إغلاق الحساب بشكل رسمي، وعدم الاحتفاظ بما يكفي من الوثائق البنكية.

3. الدولة والمشرع
تأخر في هيكلة الإطار القانوني، وضعف الرقابة، وغياب سياسة واضحة لمعالجة الحسابات غير النشيطة.

بين الحق القانوني والممارسات الميدانية… الحاجة إلى إصلاح شامل

إن استمرار هذه الظاهرة يكشف أن القطاع البنكي يحتاج إلى إعادة نظر شاملة تضمن:

وضع قانون واضح لإغلاق الحسابات.

إلزام الأبناك بإرسال إشعارات دورية ومؤكدة.

خلق نظام موحد لمعالجة الحسابات المهجورة.

ضبط مصاريف التسيير.

منع أي حجز إلا بعد استنفاد كل الحلول الودية.

فالمؤسسة البنكية ليست فوق القانون، والزبون ليس مجرد رقم في قاعدة بيانات، بل طرف يجب أن يُحمى وفق مبادئ العدالة والتوازن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى