عقد من الديمقراطية التشاركية بأكادير: تقييم نقدي لمسار التنزيل الترابي وإكراهات السياق
اكادير: إستثمار
بعد عشر سنوات من دخول القوانين التنظيمية للجماعات الترابية حيّز التنفيذ، تعود جهة سوس ماسة لتفتح نقاشًا عموميًا حول حصيلة هذا الورش الوطني في سياق محلي وإقليمي مطبوع بتحولات معقدة. فهل فعلاً تحقق ما كان يُطمح إليه من إشراك المواطن في تدبير الشأن العام؟ وهل استطاعت الجماعات الترابية تملك أدوات الديمقراطية التشاركية وتفعيلها بشكل ناجع؟
في هذا السياق، تنظم الهيئة الاستشارية للشباب والمستقبل لدى مجلس جهة سوس ماسة، بشراكة مع مجلس الجهة والمركز المغربي للدراسات والأبحاث حول مالية الجماعات الترابية، جلسة نقاش علمية يوم الجمعة 30 ماي 2025، تحت عنوان دال: “تفعيل الديمقراطية التشاركية على المستوى الترابي: بين متطلبات التكريس وإكراهات السياق السوسيو-سياسي”. ويُنتظر أن يشارك في هذه المحطة التقييمية فاعلون محليون وأكاديميون وممثلو المجتمع المدني، في سعي جماعي نحو بلورة قراءة نقدية لتجربة عمرها عقد من الزمن.
من التنظير إلى الممارسة: مكاسب ومحدودية
ترتكز هذه المبادرة على محاولة الإجابة عن سؤال مركزي: ما الذي تحقق فعلياً منذ 2015 في مجال الديمقراطية التشاركية، وما الذي ما زال يعيق تفعيلها؟
رغم إدراج آليات متعددة في صلب النصوص القانونية، كإحداث الهيئات الاستشارية وفتح المجال أمام تقديم العرائض والملتمسات، إلا أن التجربة أبانت عن فجوة بين النص والممارسة فضعف القدرات المؤسساتية والموارد المالية، إلى جانب هشاشة الثقة بين المواطن والمؤسسة المنتخبة، ساهم في تقليص أثر هذه الآليات على الواقع.
ورش مفتوح على التقييم والتقويم
الجلسة المرتقبة تسعى، إذن، إلى تحريك نقاش عمومي يتجاوز العرض النظري ليخوض في التجارب الميدانية، بما في ذلك استعراض الممارسات الفضلى التي نجحت في خلق دينامية تشاركية محلية. هذا البُعد العملي يروم استكشاف العوامل التي جعلت من بعض الجماعات نماذج يُحتذى بها، في وقت ظلت فيه جماعات أخرى رهينة منطق الشكليات أو الارتجال.
الرهان على الشباب والمجتمع المدني
مركز الثقل في هذه المبادرة يظل هو تمكين الفاعلين المحليين، خصوصاً الشباب والمجتمع المدني، من أدوات الفهم والتدخل والمساءلة. ذلك أن الديمقراطية التشاركية لا تقتصر على فتح الأبواب الشكلية، بل تتطلب ثقافة سياسية جديدة، قوامها التشاركية والشفافية والمحاسبة وهنا تبرز أهمية الهيئة الاستشارية للشباب والمستقبل، بوصفها فضاءً مؤسسياً يسعى إلى تجاوز منطق الموسمية نحو تأطير دائم وفعّال.
سؤال الاستدامة والحكامة
المُلفت في هذه المحطة ليس فقط الطابع التقييمي، بل محاولة استشراف آفاق التجويد فهل يمكن للديمقراطية التشاركية أن تتحول من تجربة محدودة إلى ممارسة مؤسَّسة ومستدامة؟ وهل هناك إرادة سياسية حقيقية لربط المشاركة بالتنمية الترابية الفعلية، لا بمجرد التزكية الرمزية لقرارات مُتخذة سلفاً؟
في النهاية، يعكس هذا اللقاء الأكاديمي – المدني وعياً متنامياً بأهمية الانتقال من منطق التشريع إلى منطق الفعل الترابي، ومن تقارير المناسبات إلى آليات التمكين اليومي للمواطنين فالمساءلة هنا لا تخص الماضي فحسب، بل تتعلق بمستقبل التنمية في جهة سوس ماسة، وبكيفية إعادة تشكيل علاقة المواطن بالسلطة المحلية في مغرب يسعى لترسيخ جهويته المتقدمة على أسس ديمقراطية حقيقية.