تحليل الخطاب الملكي الافتتاحي للدورة التشريعية 2025: “دعوة إلى اليقظة التشريعية وتسريع مسيرة العدالة المجالية والاجتماعية”

الرباط: إستثمار

جاء الخطاب الملكي الذي ألقاه الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الأخيرة من الولاية البرلمانية، في ظرف سياسي واجتماعي دقيق، يتزامن مع تصاعد الانتظارات الشعبية وتزايد النقاش حول فعالية الأداء الحكومي والبرلماني.
الخطاب لم يكن مجرد توجيه بروتوكولي، بل رسالة مركزة تحمل تقييماً ضمنياً للولاية التشريعية وتوجهاً استراتيجياً للمرحلة المقبلة، محورها الالتزام والنجاعة وربط المسؤولية بالمردودية.

2. البرلمان أمام اختبار الجدية والنجاعة

أكد الملك في مستهل خطابه على تقديره لعمل البرلمان في التشريع والمراقبة، لكنه سرعان ما وضع النواب أمام مسؤولية السنة الأخيرة، داعياً إياهم إلى “العمل بروح المسؤولية” لاستكمال ما تبقّى من مشاريع القوانين والبرامج المفتوحة.
ويكشف هذا التوجيه عن عدم رضا ضمني عن بطء وتيرة التشريع، وعن رغبة ملكية في أن تكون السنة الختامية سنة حصاد حقيقي لا موسم انتخابي.

3. تأطير المواطن… مسؤولية مشتركة

من أبرز محاور الخطاب تأكيد الملك على أن تأطير المواطنين والتواصل معهم مسؤولية جماعية لا تقتصر على الحكومة، بل تشمل البرلمانيين والأحزاب والإعلام والمجتمع المدني.
هذه الإشارة تعبّر عن قلق ملكي من ضعف التواصل المؤسساتي، وعن وعي بأن غياب المعلومة الدقيقة يخلق فراغاً تستغله الإشاعات وحملات التشكيك.
الملك هنا يعيد الاعتبار لمفهوم الوساطة السياسية الحقيقية التي باتت مفقودة في علاقة المواطن بمؤسساته.

4. العدالة المجالية والاجتماعية: من شعار إلى التزام

أعاد الملك التأكيد على أن العدالة الاجتماعية والمجالية ليست شعاراً ظرفياً، بل “توجّه استراتيجي ورهان مصيري”.
هذا التأكيد يأتي استمراراً لنهج خطابات السنوات الأخيرة التي جعلت من تقليص الفوارق الترابية والاجتماعية جوهر المشروع التنموي الجديد للمغرب.
ويُلاحظ أن الخطاب قد انتقل من الحديث عن النموذج التنموي إلى تنزيله الميداني، مركزاً على ضرورة تغيير العقليات واعتماد ثقافة النتائج، في إشارة إلى محدودية المقاربة الإدارية البيروقراطية في تحقيق التحول المنشود.

5. التنمية الترابية: من المراكز القروية إلى السواحل

خصّ الخطاب الملكي جزءاً مهماً من مضامينه لملفات تنموية دقيقة، أبرزها:

تنمية المناطق الجبلية والواحات التي تشكل 30% من مساحة البلاد، والتي دعا الملك إلى بلورة سياسة عمومية مندمجة تراعي خصوصياتها.

التنمية الساحلية من خلال التفعيل الجدي لمخطط وطني يحمي البيئة ويستثمر المؤهلات البحرية في خلق الثروة.

توسيع نطاق المراكز القروية لتكون حلقة وصل بين العالم القروي والمدن، وتقريب الخدمات الإدارية والاجتماعية.

هذه التوجيهات تكشف أن الملك يواصل مراقبته الدقيقة لتفاصيل السياسات الترابية، ويعيد ترتيب الأولويات بما يتماشى مع مفهوم “المغرب الصاعد” الذي طرحه في خطاب العرش الأخير.

6. رسالة إلى الحكومة والأحزاب

يحمل الخطاب نبرة توجيهية واضحة نحو تحمل المسؤولية الجماعية في إنجاح ورش التنمية، بعيداً عن الصراعات السياسية الضيقة.
إذ دعا الملك صراحة إلى تغليب المصلحة العليا للوطن، والعمل بروح التعاون بين الحكومة والمعارضة، بما يضمن تعبئة كل الطاقات لمواجهة “سنة حافلة بالمشاريع والتحديات”.

7. خلاصة تحليلية

يمكن تلخيص مضامين الخطاب الملكي في ثلاث رسائل رئيسية:

1. رسالة إلى البرلمان: لإنهاء الولاية التشريعية بالعمل الجاد والمسؤول، لا بالمزايدات الانتخابية.

2. رسالة إلى الحكومة: لتسريع وتيرة الإصلاحات وتطبيق ثقافة النجاعة والمحاسبة.

3. رسالة إلى المجتمع: لإشراكه في الفعل التنموي من خلال تواصل مؤسساتي فعّال ومسؤول.

وبذلك يشكّل الخطاب خارطة طريق للمرحلة السياسية المقبلة، يُراد منها تثبيت مسار “المغرب الصاعد” على أسس العدالة، والشفافية، والمردودية، في ظل دولة قوية بمؤسساتها وملتزمة بمواطنيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى