
المعاريف.. “جوطية درب غلف” في مهب التحول وولادة “قطب طبي وابتكاري” بالقلب النابض للبيضاء!
الدار البيضاء: حفيظة حمودة
بعد انتظار دام سنوات، كُشف أخيراً عن ملامح تصميم التهيئة الجديد لمقاطعة المعاريف، القلب الاقتصادي النابض لمدينة الدار البيضاء، وذلك عقب إغلاق سجل البحث العمومي مساء الجمعة الماضي، بعد شهر من النقاشات والملاحظات التي شارك فيها المواطنون والمهنيون والفاعلون المحليون.
ويُعد هذا المخطط العمراني محطة مفصلية في مسار تطوير المعاريف، إذ يسعى إلى تحقيق توازن بين الحفاظ على ذاكرة المنطقة التراثية العريقة واستيعاب التحولات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تعرفها العاصمة الاقتصادية، استعداداً لاحتضان المملكة كأس العالم 2030.
بحسب مصادر مطلعة فإن المشروع الذي طال انتظاره يدخل الآن مرحلة التنفيذ العملي، متضمناً مراجعة شاملة لاستعمالات الأراضي داخل المقاطعة، وتوسيع نطاق المرافق العمومية، وتحديث البنية الحضرية عبر مشاريع مهيكلة تهدف إلى تحويل المعاريف إلى نموذج للمدينة الحديثة والمتوازنة.
ومن بين الأوراش الكبرى، يبرز مشروع إعادة هيكلة المنطقة المحيطة بالمركز الاستشفائي الجامعي على مساحة تقارب 56 هكتاراً، بهدف إحداث قطب طبي متكامل يجمع بين التكوين الجامعي والخدمات الصحية المتقدمة، على غرار التجارب النموذجية في الرباط وطنجة وأكادير. وتشير المعطيات إلى أن الوعاء العقاري المتاح يفتح الباب أمام إنشاء أحد أكبر المراكز الطبية في البلاد، إذا ما تم التنسيق مع وزارة الصحة والجهات المعنية.
وفي المقابل، أثار المخطط جدلاً واسعاً حول مصير “جوطية درب غلف”، السوق الشعبي الأشهر في تجارة الإلكترونيات بالمغرب، والذي ظل لعقود رمزاً للطبقة المتوسطة وروح البيضاء الشعبية.
الوثيقة الجديدة تقترح تصنيف المنطقة ضمن “المصلحة العامة”، ما يعني إمكانية نزع الملكية وإعادة تهيئة الموقع ضمن مشروع حضري متكامل. قرارٌ يرى فيه البعض نهاية فصل من ذاكرة المدينة، بينما يعتبره آخرون خطوة شجاعة لتأهيل النسيج التجاري والاقتصادي للمعاريف.
وفي الجانب السكني، يُظهر التصميم توجهاً نحو الكثافة العمودية في بعض الأحياء الراقية مثل “فرانسفيل” و“طونطونفيل”، عبر السماح ببناء عمارات من صنف R+3 بدل الفيلات التقليدية، في محاولة لتوسيع العرض السكني مع الحفاظ على الطابع المميز للمنطقة.
كما يتضمن المشروع إحداث منطقة للابتكار تحت اسم “Maarif Tech”، فوق العقار الذي كانت تستغله شركة النقل “ألزا”، لتصبح فضاءً مخصصاً للتكنولوجيا النظيفة والاقتصاد الأخضر، في خطوة ترمي إلى تعزيز جاذبية المقاطعة كمركز للأعمال المستدامة والابتكار.
ورغم الحماس الذي يرافق الإعلان عن التصميم الجديد، يعبّر عدد من الفاعلين المحليين عن تخوّفهم من أن يبقى المشروع حبيس الأوراق في غياب ضمانات واضحة للتنفيذ، خاصة أن التجارب السابقة بيّنت صعوبة تنزيل المخططات الكبرى دون تعبئة مالية ومؤسساتية قوية.
وسيتم الآن عرض الملاحظات التي جُمعت خلال مرحلة البحث العمومي على اللجان التقنية المختصة، قبل المصادقة النهائية على الوثيقة التي ستمتد صلاحيتها إلى أفق 2035.
بهذا تدخل المعاريف مرحلة جديدة قد تُعيد رسم معالمها من جذورها بين ذاكرةٍ حضرية عريقة وطموحٍ لمدينة ذكية حديثة تستحق موقعها في قلب الدار البيضاء المتجددة.





