الجوائح والأوبئة: مقاربة إحسانية إيمانية أخلاقية إنسانية: تتمة
محمد أبرباش
في هذا الزمن العصيب تجبر الحاكم العالمي بأمره، وادعى الألوهية من جديد، وقدس الشعارات المادية المنفعية الميكيافيلية، ونشر فلسفته القائمة على الاستهلاك مما أدى إلى تدمير الطبيعة. هنالك حيث فُقد التوازن البيئي والأخلاقي بما كسبت أيدي الناس. لينتهي الأمر في عهد ما بعد العولمة إلى عملية تدمير الآخر بدل الأخوة الإنسانية والعيش المشترك، كما هو متجدر في ديننا؛ ورضي الله تعالى عن الإمام علي وكرم وجهه حين قال: “الناس صنفان: إما أخ لك في الدين وإما صنو لك في الخلق”. وبتعبيرنا المعاصر أخ لك في الإنسانية. وقبل ذلك وبعده قال الله تعالى: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون). (سورة آل عمران. الآية 59). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: “كلم لآدم وآدم من تراب”. في حين لم تعد للإنسان قيمة سوى ما ينتج. وعندما يعجز عن الإنتاج يرمى في دار العجزة و لن تغنيه الرعاية المادية عن دفء العائلة و لمة الأحباب … هل هذا أنموذج يحتذى حتى نتبع فيه الغير؟!
لقد دمرت العواطف ودخلنا مرحلة تقديس الشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات في اتجاه واحد ووحيد لأننا مجرد أسواق للبضائع المادية واللاأخلاقية والأدوية والأسلحة. و أسواقنا من أنشط الأسواق على مستوى الاستهلاك غير المعقلن و غير الخاضع لحاجيات الإنسان الحقيقية. وهو في نفس الوقت غير آبه بخلفية المصنع. ولم يتأمل في منطق السيادة والرغبة في الاستقلال الاقتصادي. أو على الأقل في باب التوازن بين الصادرات والواردات. فضلا عن المنافسة في البحث والتصنيع و التوزيع. ولعل التجربة الصينية رائدة على هذا المستوى.
وغني عن البيان أن لدينا كثيرا من المقومات لتجاوز هذا الوضع، مؤمنين أن التحول التاريخي وارد جدا وفق قانون الحضارات شريطة بداية تغيير كلي في تصوراتنا وأولوياتنا من تغيير ثقافي يستدعي بالضرورة تطورا في مناحي الحياة كافة.
وهذا التغيير المنشود هو القمين بتجاوز منطق القوة والتحكم والامتلاك. ولقد فشل الكثير منا حين أراد الرد من دون علم ليتكلم الرويبضة التافه في شأن العامة.
وعلى هذا الأساس فإنه لابد من بناء أنموذج في التنمية والتزكية جديد قوامه الإنسان الأخلاقي ضدا على العقلانية المادية المنفصلة عن القيم التي يجدر تطبيقها من لدن الجميع على الجميع كما جاء في سورة الرحمن: (وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان). (سورة الرحمن. الآية 9). فالحق والعدل ينبغي أن ينفّذا على القريب والبعيد والصديق والعدو لأن الله تعالى يقول: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) (سورة المائدة. الآية 8).
ومن الملحوظ الآن كما قال الدكتور أحمد البوكيلي: عودة الصحوة الروحية لجميع الديانات أي العودة إلى الطاقة الإيمانية الموجودة في الفطرة الإنسانية وليس فقط في الرقعة الجغرافية الإسلامية تحت شعار الكلمة السواء: (قل يأهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون). (سورة آل عمران. الآية 64).
لذا علينا أن نهتبل الفرصة السانحة التي يتعرض فيها العالم برمته لهذه الجائحة، التي لم تميز بين الأجناس والشعوب، من أجل تجاوز فلسفة الصراع إلى التفاهم والحوار، ومصالحة الإنسان مع الطبيعة والعلم المادي والتربية الروحية.
ونحن هنا لا نقصد بالروحانيات عالم الأساطير والخرافات طبعا، إنما القصد إعادة الاعتبار لحوار الأديان على قاعدة الإيمان بالله عز وجل والإحسان إلى الخلق وعدم قبول الضيم والحيف من أي مصدر صدر. ورفض الكيل بمكاييل عديدة، والانحياز إلى شعب دون شعب، أو قارة دون قارة، أو أمة دون أمة، فالناس سواسية كأسنان المشط؛ أو هذا ما ينبغي أن يكون!
ولنا أن نقول بملء أفواهنا: كفى من العبثية الوجودية، ليكون بمقدورنا أن نرتقي في مقاماتنا الخلقية حتى لا يقتل الإنسان الذي كرمه الله إما جهلا أو حقدا أو صمتا …
أجل من حقنا أن نحلم بغد أفضل للبشرية جمعاء، وبناء حضارة المحبة والتضامن والقيم الكونية والروحية الخالدة لتأسيس المجتمع الإنساني كما يدعو إليه كتاب الله الخالد ويصوره أحسن تصوير.
و في الختام أقول: ستنتهي كورونا بإذن الله. وستنكشف الغمة عن جميع الأمة.
ولكن – وهذا بيت القصيد – هل سنتهي معها كل الآفات السلبية التي تحدثنا عنها؟
وهل سنتخلص من جراثيم فاسدة تدمر روحانية علاقاتنا، وتذيب نكهة الإحساس كما جاء على لسان الدكتورة مريم ايت أحمد؟
وهل سنعيد النظر في مخططاتنا وأولوياتنا؟ أم أن الدرس سيركز على ما هو تقني و شكلي ويغيب كل المضامين المنتجة للحضارة المتقدمة العادلة المتآخية؟
أسئلة ستبقى مفتوحة للمستقبل الذي نتفاءل أن يحمل إلينا – بإذن الله ومشيئته – الوعي الجماعي الإحساني والأخلاقي في سبيل الكرامة والتطور والتجديد القويم والمبصر.
اللهم اهد الإنسانية سبل الرشاد والسلام.