” ذكرى عيد الاستقلال المجيد : الدلالات وسياق المستجدات الراهنة للوحدة الترابية “
الأستاذ/ الكاتب الحسن لحويدك
رئيس جمعية الوحدة الترابية
بجهة الداخلة وادي الذهب .
إن العبرة من استحضار ذكرى عيد الاستقلال ، تتجلى في استلهام المبادئ والقيم النبيلة الوطنية لهذه الذكرى الغالية ، وربطها بالإطار العام للتحديات الراهنة لمواصلة نهج مناضلات ومناضلين وطنيين أوفوا بما عاهدوا الله عليه ، دفاعا عن الوحدة الترابية والوطنية للأمة المغربية المجيدة.
إن ذكرى عيد الاستقلال المجيد تجسيد لنضال وطني مستميت، خاضه الشعب والعرش شمالا وجنوبا من أجل التحرير واستكمال الوحدة الترابية.
فاستحضار هذه الملحمة الخالدة التي أرخت لفترة الكفاح ، يضع على عاتق المغاربة مسؤولية جسيمة لمواصلة ما قدمه شهداء الوطن والتحرير والوحدة الترابية مضحين بأرواحهم وبالغالي والنفيس فداء للاستقرار والحرية بقيادة بطل التحرير والاستقلال المغفور له جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه.
ولعل ما يميز هذه الذكرى ، أنها ترجع بنا الى الذاكرة الوطنية الحقيقية المتجلية في انتصار إرادة العرش والشعب ضد الاستعمارين الفرنسي والإسباني ، التي أدت في نهاية المطاف إلى استقلال المغرب ونهاية مرحلة الجهاد الأصغر وبداية الجهاد الأكبر.
وإذ نستحضر هذه الذكرى الغالية بفخر واعتزاز ، فلابد من ربطها بسياق الرهانات الداخلية والخارجية لمواجهة التحديات التي تقتضيها المرحلة ، وفي مقدمتها القضية الأولى التي تعتبر أولوية الأولويات، وقضية وجود و ليست قضية حدود ، تتطلب من كل المغاربة أينما وجدوا ، الدفاع عنها بروح وطنية عالية قصد الطي النهائي للنزاع الإقليمي المفتعل في الصحراء المغربية.
ونسجل أن الأقاليم الجنوبية للمملكة عرفت على غرار باقي جهات المملكة ، انطلاق الجهوية المتقدمة ، وكذا تنفيذ النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية ، الذي ترأس حفل إطلاق إستراتيجيته جلالة الملك محمد السادس حفظه الله بالعيون بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة.
ويجب التأكيد في هذا الصدد أن إطلاق النموذج التنموي الجديد بالأقاليم الجنوبية للمملكة سيتيح لساكنة هذه المنطقة المشاركة في تدبير شؤونهم المحلية في إطار من المسؤولية وتكافؤ الفرص وترسيخ مبادئ التنمية المندمجة في ظل الوحدة الترابية والوطنية والتلاحم المتين بين الشعب المغربي وكل ملوكه الكرام الذين تعاقبوا على حكمه وصولا إلى العهد المحمدي الزاهر لجلالة الملك محمد السادس.
ولعل أهم مستجد للتذكير بدلالات ومكاسب هذه الذكرى المجيدة ، هو الإجماع الوطني الذي حققه المغرب في مسار وحدته الترابية منذ استرجاع الأقاليم الجنوبية المغربية إلى حظن الوطن الأم ، وما عرفته هذه الأقاليم على غرار كل جهات المغرب ، من تنمية شاملة في مختلف المجالات ، إلى ان اضحت منطقة للتلاقي بين المغرب وعمقه الإفريقي بفضل المنجزات التنموية المحققة في هذه الربوع الغالية من الوطن .
مكاسب تنموية معززة بدبلوماسية ملكية حثيثة مكنت المغرب من عودته إلى أسرته بالاتحاد الإفريقي ، وافتتاح ما مجموعه خمسة عشر دولة إفريقية ، بالإضافة إلى الإمارات العربية المتحدة لقنصليات عامة لها في كل من مدينتي العيون والداخلة ، ومن المرتقب ، حدو دول اخرى قريبا لمثل هذه الخطوات الدبلوماسية التي تكرس مغربية الصحراء ، وتدعم التأييد المتواصل لمبادرة الحكم الذاتي العقلانية والجادة لتسوية النزاع الإقليمي المفتعل حولها الذي عمر طويلا.
منجزات وطنية ودولية متتالية ، آخرها قرار مجلس الامن الدولي الاخير الذي انتصر للموقف المغربي ، وهو ما دفع خصوم الوحدة الترابية إلى اختلاق استفزازات وادعاءات امتدت إلى إقدام ميليشيات ” البوليساريو ” الانفصالية ، بإيعاز بطبيعة الحال من النظام الجزائري ، بالقيام بمناوراتهم الدنيئة الأخيرة الخطيرة التي طالت المنطقة الحدودية المغربية الكركرات ، البوابة الاستراتيجية التي تعتبرا جسرا يربط المغرب نحو القارة الإفريقية في المحور الطرقي للمنطقة العازلة نحو الجارة الجنوبية موريتانيا الشقيقة وباقي دول الساحل والصحراء.
هذه المحاولات البئيسة قوبلت برد حازم بتدخل القوات المسلحة الملكية من أجل إعادة فتح معبر الكركرات وتأمين تدفق الأشخاص والبضائع .
عملية تمت بمنتهى الحكمة ، اشادت بها العديد من الدول ، وأيدها وثمنها الشعب المغربي قاطبة بمختلف مشاربه وقواه الحية.
وليس ذلك بالشيء الغريب على الإجماع الوطني للامة المغربية التي طبع تعبئتها الشاملة لمجابهة خصوم وحدتها الترابية وسيادتها الوطنية عبر العصور.
وماذكرى عيد الاستقلال إلا مناسبة لربط ماضي المملكة المغربية الشريفة بحاضرها الذي يؤرخ لهذه البطولات لكسب كل التحديات والرهانات التي تقتضيها المرحلة الآنية للرد على كل من سولت له نفسه المس بثوابت الوطن ومقدساته .