إيران وإسرائيل: حرب الظل وأشباح الهيمنة في الشرق الأوسط

بقلم: د المهدي الجرباوي

تتجاوز العلاقة بين إيران وإسرائيل توصيف العداء التقليدي لتلامس حدود “حرب طويلة الأمد” تُدار في الظل، وتشتعل بين حين وآخر بضربات نوعية وهجمات سيبرانية واغتيالات دقيقة، وسجال دبلوماسي لا يقل خطورة عن العمل العسكري. ورغم أن الحرب الشاملة لم تقع (حتى الآن)، فإن الواقع يشير إلى أن البلدين يعيشان حالة صدام دائم، يزداد تعقيدًا مع كل تحول في المنطقة.

الواجهة النووية: قنبلة التوازن المقلق

من الأسباب المباشرة والمعلنة للتوتر، يأتي الملف النووي الإيراني في مقدمة العوامل. ترى إسرائيل أن حصول طهران على سلاح نووي يمثل تهديدًا وجوديًا، في ظل الخطاب الإيراني المعادي، ودعم طهران لفصائل تعتبرها تل أبيب “أذرعًا إرهابية” مثل حزب الله في لبنان وحماس في غزة.

في المقابل، تعتبر طهران أن إسرائيل نفسها تمتلك ترسانة نووية غير خاضعة للرقابة الدولية، وتتهم الغرب بازدواجية المعايير. وقد جعلت إيران من برنامجها النووي ورقة سيادية ووسيلة ردع في منطقة تتحكم فيها المعادلات العسكرية.

حرب الظل: الاغتيالات، الغارات، والهاكرز

بعيدًا عن التصريحات، تخوض الدولتان ما يسمى “حرب الظل”، حيث تشير تقارير استخباراتية وإعلامية إلى سلسلة من الهجمات والغارات الجوية الإسرائيلية على مواقع مرتبطة بإيران في سوريا، والعراق أحيانًا، فضلاً عن عمليات اغتيال طالت علماء نوويين مثل محسن فخري زاده. كما تتهم إسرائيل إيران بتنفيذ هجمات إلكترونية على منشآتها، والعكس صحيح.

هذه الحرب غير المعلنة تعكس قناعة الطرفين بأن الصدام المباشر مكلف، لكن الاستنزاف عبر أدوات غير نظامية أكثر نجاعة.

النفوذ الإقليمي: من يتحكم في رقعة الشطرنج؟

تسعى إيران إلى توسيع نفوذها في العالم العربي عبر ما تسميه “محور المقاومة”، بينما تعتبر إسرائيل هذا التمدد تهديدًا مباشرًا، خاصة في سوريا ولبنان. تل أبيب تخشى من إقامة “طوق ناري” حولها بفضل ميليشيات موالية لطهران، وتحاول من خلال ضربات جوية استباقية أن تُبقي هذه التهديدات تحت السيطرة.

من جهتها، ترى إيران في تحالفات إسرائيل الخليجية الجديدة (اتفاقات أبراهام) حصارًا سياسيًا وجغرافيًا لها، خاصة مع الحديث عن تحالف دفاعي إقليمي تقوده الولايات المتحدة ويشمل إسرائيل وعددًا من الدول العربية.

الصراع على الرواية: الدين، التاريخ، والشرعية

لا يمكن إنكار البعد الأيديولوجي في الصراع. فإيران، بعد الثورة الإسلامية عام 1979، تبنت خطابًا مناهضًا لإسرائيل باعتبارها “كيانًا غير شرعيًا”. فيما ترد إسرائيل باعتبار إيران مصدرًا للإرهاب، وتلوح بخطر “التطرف الشيعي”.

يتغذى الصراع من روايات متناقضة حول التاريخ والشرعية. فإيران تعتبر دعمها لفلسطين التزامًا دينيًا وأخلاقيًا، فيما تصف إسرائيل هذا الدعم بأنه تهديد مباشر لكيانها، لا سيما مع تصاعد دور حركات المقاومة الفلسطينية المدعومة من طهران.

الدور الأميركي: الموازنة بين الضغط والحماية

تلعب الولايات المتحدة دورًا مركزيًا في هذا الصراع، وإن اتسم أحيانًا بالازدواجية. فهي حليف استراتيجي لإسرائيل، وتزودها بأحدث منظومات الدفاع والتكنولوجيا، لكنها من جهة أخرى، لا تستبعد الحوار مع إيران حول الملف النووي.

الولايات المتحدة تحاول تقليص احتمالات الحرب المفتوحة، لكنها تغذي الصراع بشكل غير مباشر عبر تسليح إسرائيل وفرض عقوبات مشددة على إيران، مما يجعل من واشنطن طرفًا في الأزمة لا مجرد وسيط.

الخلاصة: نزاع وجود لا حدود

الحرب بين إيران وإسرائيل ليست مجرد خلاف جيوسياسي، بل هي تجسيد لصراع مركب يشمل الأمن، العقيدة، النفوذ، والتحالفات الدولية. إنها مواجهة متعددة المستويات تدور في ساحات متعددة، من مياه الخليج إلى جبال لبنان، ومن مفاعل نطنز إلى مراكز أبحاث تل أبيب.

وإن كانت هذه الحرب لم تتحول إلى صدام شامل حتى الآن، فإن تراكم الأخطاء، وتوسع بؤر التوتر، وغياب تسوية حقيقية، كلها عوامل قد تدفع المنطقة نحو انفجار غير محسوب العواقب. وبينما يتبادل الطرفان الضربات في الظل، فإن شعوب المنطقة تظل هي الخاسر الأكبر في لعبة نار لا تُرى، ولكنها تُحرق الجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى