ميزانية 2026 تُناقَش بمقاعد فارغة… ثلث لجنة المالية يغيب عن موعد التشريع

الرباط: إدريس بنمسعود

تكشف الأرقام الرسمية المتعلقة بحضور أعضاء لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون مالية 2026 عن مفارقة لافتة: ثلث أعضاء اللجنة تغيبوا عن واحدة من أهم المحطات التشريعية في السنة. نسبة الغياب بلغت 33%، وهو معطى يطرح أسئلة محرجة حول جدية التعاطي البرلماني مع ملف يُفترض أنه يحدد أولويات البلاد الاقتصادية والاجتماعية.

ورغم تقديم 11% من الغائبين اعتذارات رسمية، فإن ذلك لا يخفف من وقع المعطيات؛ إذ إن لجنة المالية شرعت في دراسة المشروع منذ 28 أكتوبر، على مدى 12 اجتماعاً امتدت إلى 49 ساعة عمل. ورغم الأهمية البالغة لهذا الورش، فإن حضور النواب لم يرقَ إلى مستوى اللحظة ولا حجم الرهانات المطروحة.

التقرير المفصل يُظهر نشاطاً رقمياً مكثفاً في الجلسات: 474 مداخلة في المناقشة العامة، و434 في مناقشة المواد، وهو مؤشر على حيوية داخل القاعة، لكنّ هذه الحيوية تتساءل عن حقيقتها عندما يقابلها غياب ملموس في المقاعد. المشهد يعكس معادلة غير منسجمة: كثافة الكلام مقابل هشاشة الحضور.

من جهة التعديلات، تقدمت الفرق والمجموعات البرلمانية بحوالي 350 تعديلاً على المشروع، لكن مصير أغلبها كان الرفض؛ 30 تعديلاً قُبل فقط مقابل إقصاء 236 تعديلاً وسحب 62. وهي أرقام تعيد النقاش القديم–الجديد حول مدى انفتاح الحكومة على مقترحات البرلمان، ومدى قدرة هذا الأخير على فرض تصورات بديلة.

المصادقة النهائية على المشروع في مجلس النواب جاءت بأغلبية مريحة: 165 صوتاً مقابل 55 معارضاً، ودون امتناع. غير أن هذا التفوق العددي لا يخفي النقاش الحاد الذي طبع الاجتماعات، خاصة عندما تعلق الأمر بالرسوم الجمركية والضرائب المقررة لسنة 2026، أو حين طالبت المعارضة بفرض ضريبة على الثروة وتشديد الضريبة على شركات المحروقات والاتصالات والإسمنت، وهي مطالب اصطدمت برفض حكومي واضح.

اللافت أيضاً هو الاعتماد على البث المباشر للجلسات، حيث حصدت النقاشات حوالي 24 ساعة من البث و60 ألف مشاهدة على “يوتيوب”، إضافة إلى 226 ألف مشاهدة على “فيسبوك” و62 ألفاً على “إنستغرام”. أرقام تُظهر أن اهتمام الجمهور بالشأن المالي حاضر بقوة، في حين تغيب بعض ممثليه تحت القبة في لحظة الحسم.

في النهاية يطرح تقرير لجنة المالية سؤالاً مقلقاً: كيف يمكن لميزانية دولة أن تناقَش في غياب ثلث من أوكلت إليهم مهمة الرقابة والتشريع؟ وهل يتحول النقاش داخل البرلمان إلى مجرد واجهة شكلية ما دام القرار النهائي محسوماً سلفاً؟ أسئلة تُبقي الجدل مفتوحاً حول أداء المؤسسة التشريعية وقدرتها على ممارسة دورها كاملاً دون أعذار أو غياب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى