نساء خارج السوق.. خسارة تنموية صامتة تكشفها أرقام البنك الدولي عن المغرب ومحيطه

الرباط: نارمان بنمسعود

يضع آخر تحديث اقتصادي صادر عن مجموعة البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان، تحت عنوان “العمل والنساء: المواهب غير المستغلة والنمو غير المحقق”، دول المنطقة أمام مرآة ثقيلة تعكس مفارقة واضحة: طاقات بشرية وفيرة، ونمو اقتصادي محدود، وفرص تشغيل لا تواكب دينامية السكان. هذا التشخيص، وإن كان إقليميا، ينسحب بقوة على الحالة المغربية التي تتقاسم مع جيرانها التحديات نفسها وإن بدرجات متفاوتة.

التقرير يذكر بوضوح أن خلق فرص العمل لا يساير توسع الفئة النشطة، وهي ملاحظة تتكرر في معظم بلدان “مينا”، لكن حدّتها تبرز خصوصا في المغرب بفعل عاملين متقاطعين: هشاشة سوق الشغل، وتراجع التشغيل في الوسط القروي نتيجة موجات الجفاف المتكررة. هذا الواقع يزيد من بطء امتصاص اليد العاملة الجديدة، خصوصا في صفوف الشباب والنساء، وهي الفئات الأكثر تضررا من انكماش العرض الاقتصادي.

وعلى غرار مصر والأردن وإيران، يرصد التقرير حالة “جمود” أو تراجع في معدلات مشاركة النساء في سوق العمل بالمغرب. الأكثر إثارة للقلق أن هذا التراجع يهم حتى النساء الحاصلات على تعليم متقدم، ما يعكس خللا بنيويا يتجاوز مسألة المؤهلات، ليمتد إلى الأعراف الاجتماعية والأطر القانونية وبطء انخراط القطاع الخاص. فالمقارنة بين بلدان المنطقة تُظهر أن فجوة المشاركة الاقتصادية بين الجنسين تظل واحدة من الأوسع عالميا، بغض النظر عن مستوى الدخل أو طبيعة النسيج الاقتصادي.

ويكشف التقرير أن المنطقة، بما فيها المغرب، تسجل أدنى معدلات مشاركة نسائية في القوى العاملة عالميا، سواء في المناطق الحضرية أو القروية. وتظل الفجوة أكثر عمقا مقارنة بالدول ذات الدخل المماثل، ما يعني أن الإشكال لا يرتبط فقط بالموارد أو الظروف الاقتصادية، بل بالعوائق الاجتماعية والتنظيمية التي تحد من ولوج النساء إلى سوق الشغل.

في هذا السياق، يدعو البنك الدولي إلى إصلاحات هيكلية تتجاوز المقاربة التقليدية لسياسات التشغيل. فالنهوض بالاقتصاد المهيكل وتشجيع المقاولات عالية النمو وتحديث التشريعات الاجتماعية ليست توصيات تقنية فحسب، بل شروط أساسية لتكافؤ الفرص. كما يشدد التقرير على أن دعم تشغيل النساء ليس بندا اجتماعيا، بل رافعة اقتصادية، إذ ترتبط زيادة مشاركتهن بتحقيق نمو أعلى وقدرة أكبر على مواجهة التحولات الديموغرافية.

وتبرز المقارنة الإقليمية التي يقدمها التقرير أن القيود المفروضة على النساء لا تتشابه من دولة لأخرى، لكنها تتقاطع حول محاور مشتركة: نقص خدمات رعاية الأطفال، محدودية النقل الآمن، العوائق القانونية، وهيمنة الأعراف التقليدية التي تُثني العديد من الأسر عن قبول عمل المرأة، حتى عندما تسمح ظروف التعليم والكفاءة بذلك.

ويذهب التقرير أبعد من التشخيص، مقدما وصفة عملية: تحسين النقل العمومي وتوسيعه، توفير إنارة وبنيات تعزز الأمان، وتطوير خدمات رعاية الأطفال بأسعار مناسبة، إلى جانب تعزيز المنافسة الاقتصادية وتقوية دور القطاع الخاص. ويضيف بعداً مهما: تشجيع النساء على تولي المناصب القيادية وريادة الأعمال، بالنظر إلى أن الشركات التي تديرها نساء تُظهر توجها أكبر لتوظيف النساء وإعادة تشكيل ثقافة العمل.

خلاصة البنك الدولي حاسمة: لا يمكن للمنطقة، بما فيها المغرب، مواصلة تحمل كلفة تعطيل نصف طاقاتها البشرية. فالإبقاء على معدلات مشاركة نسائية متدنية يعني التنازل عن رافعة تنموية كبرى في وقت تتسارع فيه التحديات الاقتصادية والديموغرافية. الإصلاحات الشاملة وحدها — القانونية والاجتماعية والاقتصادية — قادرة على تحويل هذا “الرصيد المعطل” إلى محرك للنمو والاستقرار.

.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى