
التسول والتشرّد… أرقام صادمة تكشف حدود المقاربة الأمنية وحجم الهشاشة الاجتماعية
الرباط: إدريس بنمسعود
يقدّم وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، من خلال معطيات حديثة، صورة دقيقة لكنها مقلقة حول تفاقم ظاهرتي التسول والتشرّد في المدن المغربية، إذ تعكس الأرقام المسجلة خلال الأشهر الثمانية الأولى من السنة الجارية مدى تعقّد هذه الظواهر وتشابك أبعادها الأمنية والاجتماعية. فقد عالجت مصالح الأمن الوطني ما مجموعه 34.312 قضية مرتبطة بالتسول، أدّت إلى توقيف 39.143 شخصًا، بينهم 1092 قاصرًا و10.810 امرأة، بالإضافة إلى 1816 شخصًا من جنسيات أجنبية متعددة، مما يكشف بوضوح الطابع المتنوع والمتسع لانتشار الظاهرة، خاصة مع تزايد حضور النساء والأطفال ضمنها.
وفي السياق ذاته، تمكنت المصالح نفسها، خلال سنة 2024 والأشهر الثمانية الأولى من 2025، من إحالة 18.805 ملفًا متعلّقًا بالتشرّد على النيابة العامة، وتقديم 3098 شخصًا أمام العدالة، إلى جانب توجيه 20.249 شخصًا إلى المؤسسات الخيرية و20.751 آخرين نحو السلطات المحلية، مقابل الإفراج عن 28.355 فردًا بعد التحقق من هوياتهم. تكشف هذه المعطيات وجود حركة دؤوبة للمصالح الأمنية في مواجهة الظاهرة، لكنها في الوقت نفسه تعكس حجم الضغط الواقع على الأجهزة الاجتماعية والإدارية التي تستقبل هذه الفئات في ظل قدرات استيعابية محدودة.
ويؤكد لفتيت في جوابه على سؤال كتابي لأحد نواب البرلمان أن وزارة الداخلية تعمل وفق مقاربة مستمرة للتصدي لهذه الظواهر، تعتمد بالأساس على الحملات الأمنية المكثفة والعمليات التمشيطية، خصوصًا في المناطق التي تعرف انتشارًا لافتًا للتسول والتشرّد. كما تُنظَّم دوريات ليلية بتنسيق مع التعاون الوطني للتكفل بالأشخاص الذين لا مأوى لهم داخل مؤسسات الرعاية الاجتماعية في حدود طاقتها، إلى جانب إحداث وحدات متنقلة على المستوى الإقليمي تعمل بتنسيق مع المصالح الاجتماعية والمجتمع المدني، وتوفير سيارات اجتماعية خاصة لنقل الحالات التي يتم رصدها أو التبليغ عنها. وتساهم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في بناء مراكز إيواء تستهدف أساسًا الأطفال والنساء والشيوخ، باعتبارهم الأكثر هشاشة.
وتبرز المقاربة المقارنة أن هذه الجهود الأمنية، رغم أهميتها، تبقى قاصرة عن معالجة جذور الظاهرة التي تتجاوز الطابع الزجري إلى إشكالات عميقة مرتبطة بالفقر والهشاشة وضعف أنظمة الدعم الاجتماعي. ويبدو ذلك واضحًا عند مقارنة حجم التوقيفات مع عدد الأماكن المتاحة في مراكز الإيواء، أو عند النظر إلى تنامي مشاركة الفئات الضعيفة في الظاهرة. كما أن التوجيهات المستمرة من المديرية العامة للأمن الوطني لمصالحها اللاممركزة بتوحيد المساطر القانونية والتأكيد على خطورة الظاهرة، تُبرز البعد المؤسسي لمحاولة ضبطها، خاصة مع ضرورة التمييز بين الحالات التي تتطلب مقاربة إصلاحية موجهة للقاصرين، وتلك التي تستلزم تعاملاً زجريًا مع المعتادين على التسول أو من يستخدمون الأطفال بطرق مخالفة للقانون.
وتقود هذه الصورة التحليلية إلى خلاصة مفادها أن المغرب بحاجة إلى رؤية أكثر شمولية تتجاوز التدخلات الظرفية، من خلال الجمع بين الحزم الأمني، والتأهيل الاجتماعي، وتعزيز المنظومة القانونية، بما يسمح بالحد من الظاهرة ومعالجة أسبابها العميقة بدل الاقتصار على مظاهرها السطحية.





