قطاع البناء بالمغرب ينتعش بسبب تشييد البنيات التحتية الكبرى إستعدادا لكأسي إفريقيا والعالم
عرفت سنة 2024 المنقضية انتعاشا ملحوظا في مبيعات الإسمنت، التي تعد مؤشرا أساسيا على صحة قطاع البناء والأشغال العمومية، والفضل في ذلك يرجع، وفقا لخبراء، إلى الشروع في تشييد البنيات التحتية الكبرى التي ستؤهل المغرب لاستضافة تظاهرات عالمية، أبرزها مونديال 2030.
وإستنادا لأحدث الأرقام الصادرة عن الجمعية المهنية لشركات الإسمنت، فقد بلغت المبيعات الإجمالية للقطاع في سنة 2024 ما مقداره 13 مليونا و692 ألفا و752 طنا، أي بزيادة قدرها 9,45 بالمئة مقارنة بسنة 2023، التي بيع خلالها 12 مليونا و510 آلاف و825 طنا.
أما خلال شهر دجنبر الماضي فحسب، فكشفت (APC Maroc) عن تسليم مليون و292 ألف و743 طنا من الإسمنت، أي بزيادة هامة مقارنة بالسنة السابقة قدرها 15.19 بالمئة، حيث تم تسليم مليون و122 ألف و290 طنا.
المشاريع الوطنية الكبرى وزيادة ثقة الأسر
وترى الجمعية أن هذه الأرقام تعكس الانتعاش المتواصل لقطاع البناء والأشغال العمومية بالمغرب، في ظل الدينامية الملحوظة للمشاريع العقارية وتطوير البنية التحتية خلال العام الماضي.
بدوره، اعتبر الخبير الاقتصادي، ادريس الفينة، أن هذا الارتفاع يعد مؤشرًا قويًا على تعافي نشاط البناء في البلاد، مدعومًا بمشاريع البنية التحتية الكبرى والإسكان.
وأردف أن “هذه الديناميكية نابعة من زيادة الاستثمارات العامة التي انتقلت من 300 مليار درهم في عام 2023 إلى 335 مليار درهم في عام 2024، في إطار الجهود الحكومية لتحقيق أهداف النموذج التنموي الجديد الذي يركز على تعزيز البنية التحتية وتحفيز الاستثمارات”.
ونوه الأستاذ بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، بأن الطلب المتزايد على الإسمنت يعكس مستوى الثقة المتنامي لدى المستثمرين والأسر على حد سواء.
وفي التفاصيل يعزى انتعاش قطاع البناء والأشغال العمومية إلى المشاريع الوطنية الكبرى؛ “مثل توسيع شبكة الطرق السريعة واستمرار بناء المدن الجديدة، فضلًا عن التوسع العمراني المدفوع بمعدل التحضر الذي بلغ 63 في المئة في 2024”.
ولفت الباحث في التنمية الترابية إلى أن الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي يتمتع به المغرب لعب دورًا محوريًا في خلق بيئة مواتية للاستثمار المحلي والأجنبي، مما عزز من أداء قطاع البناء ودفع نموه.
وفي سياق متصل اعتبر الفينة أن ارتفاع مبيعات الإسمنت له آثار إيجابية مباشرة على الاقتصاد الوطني. فهو يعزز الناتج الداخلي الخام من خلال خلق فرص عمل جديدة وزيادة الدخل، مما ينعكس إيجابيًا على الاستهلاك المحلي.
كما أن هذا النمو يدعم عمل المقاولات الصغيرة والمتوسطة التي تُعتبر ركيزة أساسية للاقتصاد المغربي. وعلاوة على ذلك، تُساهم المشاريع الكبرى المعتمدة على الإسمنت في تحسين جودة البنية التحتية، ما يرفع من القدرة التنافسية للمغرب على المستويين الإقليمي والدولي.
تحديات لتحقيق الاستدامة
وخلص إلى أن “ارتفاع مبيعات الإسمنت في 2024 ليس مجرد رقم بل يعكس مسارًا واعدًا للتنمية الاقتصادية. ومع ذلك، تتطلب استدامة هذا المسار وضع سياسات مبتكرة لمواجهة التحديات الاقتصادية، مثل تعزيز خلق فرص الشغل، توفير برامج تمويل مبتكرة للإسكان، والحفاظ على استقرار الأسعار. كما يجب الاستمرار في تحفيز الاستثمارات، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتحسين جودة المشاريع العمرانية لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة”.
وقال إنه بالرغم من هذه المؤشرات الإيجابية لا تزال هناك تحديات تعترض هذا الانتعاش، أبرزها ارتفاع معدل البطالة الذي بلغ 21.3 في المئة في عام 2024.
وأضاف هذا المعدل المرتفع يُضعف القدرة الشرائية للأسر مما قد يحد من الطلب على السكن. إلى جانب ذلك يواجه الاقتصاد المغربي ضغوطًا تضخمية قد تؤثر على تكاليف مواد البناء. كما يمثل التمويل البنكي العقاري عقبة أمام الكثير من الأسر، مما يستدعي تطوير حلول تمويل مبتكرة لدعم الطلب على المساكن وتحفيز نمو قطاع البناء.