“من التصنيفات إلى التحذيرات: الجريمة المالية تهدد صلابة الاقتصاد المغربي”

الرباط: ريم بنكرة

أدرج تقرير “الآفاق العالمية للجريمة المالية والاقتصادية لسنة 2025” الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي المغرب ضمن الفئة الثانية، وهي فئة تضم الدول التي تواجه تهديدات متوسطة إلى عالية من حيث انتشار الجرائم الاقتصادية والمالية.

هذا التصنيف وإن لم يكن في خانة الأسوأ، يسلط الضوء على إشكاليات عميقة تعيشها المنظومة الاقتصادية المغربية، وعلى رأسها الفساد، تبييض الأموال، التهرب الضريبي وتضارب المصالح.

تصنيف المغرب في هذه الفئة يثير أكثر من سؤال حول فعالية السياسات العمومية في محاربة الجريمة الاقتصادية، خصوصًا بعد تبني المملكة مجموعة من الإصلاحات المؤسسية والقانونية في السنوات الأخيرة، من قبيل القوانين المتعلقة بتضارب المصالح إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال، وتحيين القوانين المنظمة للصفقات العمومية. إلا أن هذا الجهد، بحسب التقرير، يظل دون التوقعات بسبب ضعف التنزيل العملي، ونقص الموارد البشرية المؤهلة، وتأثيرات شبكات المصالح المتداخلة بين المال والسياسة.

التهديدات الخفية: الاقتصاد غير المهيكل والتهرب الضريبي

من أبرز مظاهر الجريمة الاقتصادية في المغرب، حسب الخبراء، الاقتصاد غير المهيكل الذي يقدر بأزيد من 30% من الناتج الداخلي الخام. هذه النسبة الضخمة تعني فقدان الدولة لموارد مالية هائلة، وتخلق بيئة مثالية لتبييض الأموال والتهرب الضريبي. إضافة إلى ذلك، يظل الجهاز الضريبي المغربي عاجزًا عن مراقبة تدفقات رؤوس الأموال في قطاعات مثل العقار، الذهب، والتجارة الإلكترونية.

الأثر على مناخ الأعمال والثقة المؤسساتية

يرى محللون أن استمرار هذا الوضع يؤثر سلبًا على مناخ الاستثمار وثقة الفاعلين الاقتصاديين في مؤسسات الدولة. كما يعمّق من فجوة الثقة بين المواطن والإدارة، ويقوّض الجهود الرامية إلى تحقيق نمو اقتصادي شامل. فغياب الحزم في مواجهة الجرائم المالية يوجه رسالة سلبية عن مدى استقلالية القضاء ومدى التزام الدولة بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

الحلول الممكنة: من محاربة الرموز إلى تقوية النُظم

لم تعد الحلول الترقيعية كافية، بل يُنتظر من الدولة أن تعتمد مقاربة شمولية تُعزّز من النزاهة المؤسساتية، تدمج التكنولوجيا في المراقبة الضريبية، وتضمن استقلالية حقيقية للأجهزة الرقابية والقضائية. كما أن تعزيز الصحافة الاستقصائية وحماية كاشفي الفساد يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في فضح الشبكات المستفيدة من الوضع القائم.

تصنيف المغرب في الفئة الثانية ليس حُكمًا نهائيًا، بل فرصة للتقييم والمساءلة. لكن تجاهله أو تبخيسه سيكون بمثابة تغذية ضمنية للفساد ومراكمة المخاطر على المديين المتوسط والبعيد. إن الحسم في معركة الجريمة المالية ليس خيارًا، بل ضرورة وجودية للحفاظ على تماسك الدولة ومصداقية مؤسساتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى