مونديال 2030: كرة القدم كرافعة لتحول المغرب نحو قوة اقتصادية واجتماعية صاعدة

الرباط: ناريمان بنمسعود

لا يبدو تنظيم المغرب المشترك لكأس العالم 2030، إلى جانب إسبانيا والبرتغال، مجرد مناسبة رياضية عالمية كما قد يُعتقد لأول وهلة، بل هو حدث بنَفَس استراتيجي عميق، يعكس تحوّلًا نوعيًا في الرؤية التنموية للمملكة. هذا ما أكده رئيس الحكومة عزيز أخنوش خلال كلمته أمام منتدى “Morocco Today Forum”، الذي انعقد بالرباط تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.

من البنية التحتية إلى البنية الاستراتيجية

أخنوش شدد على أن المغرب لا يتهيأ فقط لاستضافة حدث رياضي، بل يسير بخطى حثيثة نحو إعادة تشكيل بنيته الاقتصادية والاجتماعية من خلال مشاريع كبرى تمتد من تحديث شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة، إلى بناء منشآت سياحية واستشفائية ورياضية بمعايير دولية، كل ذلك في إطار رؤية شمولية تجعل من الاستثمار في البنيات التحتية قاعدة لانطلاق تحول مجتمعي متكامل.

هذا التوجه يتجاوز ما شهدناه في تجارب سابقة لدول استضافت بطولات كبرى فبينما ركزت دول كجنوب إفريقيا أو البرازيل على جاهزية الملاعب والمدن، يعمل المغرب على تسخير هذه الفرصة لخلق قفزة مؤسساتية واقتصادية ذات أفق بعيد المدى، مدعومة بحكامة رشيدة واستراتيجيات قطاعية مستدامة.

الاستثمار الرياضي كأداة للنمو والتماسك

المقاربة المغربية كما وصفها رئيس الحكومة، تدمج البُعد الرياضي في مشروع تنموي أوسع، حيث تُعتبر البنيات الرياضية أداة ليس فقط لتنظيم البطولات، بل أيضًا لخلق دينامية اقتصادية محلية، وتوفير فرص الشغل، وتعزيز التماسك الاجتماعي في المدن والمناطق التي ستحتضن هذه المنشآت.

هذه الرؤية تتكامل مع استراتيجية المغرب في تعزيز البعد الاجتماعي، حيث يتم تطوير البنية الرياضية بالتوازي مع أوراش الحماية الاجتماعية، والتعليم، والصحة، ما يعكس فهماً متقدماً لأدوار الرياضة في خدمة التنمية البشرية.

السياحة والاستثمار: وجهان لنفس الدينامية

قطاع الفندقة وفق الأرقام التي قدمها أخنوش، يسجل تحوّلاً نوعيًا مدفوعًا بارتفاع الطلب على الوجهة المغربية، حيث بلغ عدد السياح 17.4 مليون سنة 2024. هذا النمو السياحي ليس معزولاً عن السياق العام، بل يندرج ضمن سلسلة تفاعلية بين البنية التحتية الحديثة، والاستقرار السياسي، والانفتاح الثقافي، وفعالية الخطاب الترويجي للمملكة.

وفي موازاة ذلك يشهد المغرب تدفقاً ملحوظاً للاستثمارات الأجنبية والوطنية في ميادين الطاقة النظيفة، والصناعات المتقدمة، والرقمنة ما يعزز موقعه كمنصة واعدة على الصعيد القاري والدولي.

المقارنة بالنماذج الدولية

مقارنةً بتجارب دول استضافت بطولات مماثلة، يظهر المغرب حريصاً على تفادي الوقوع في “فخ الملاعب الفارغة” أو “المنشآت غير المستدامة”، التي أثرت سلباً على اقتصادات بلدان مثل اليونان أو البرازيل بعد الأولمبياد والمونديال. المغرب يسعى إلى خلق إرث دائم يتجاوز البنية المادية، نحو تمكين اجتماعي واقتصادي يجعل من كأس العالم نقطة تحول لا رجعة فيها.

مونديال بنَفَس ملكي ورؤية أمة

منتدى “Morocco Today Forum” جاء تحت شعار بليغ: “رؤية ملك – المغرب 2030: تعزيز أسس أمة عظيمة”، وهو ما يعكس أن مشروع مونديال 2030 ليس فقط تنسيقاً ثلاثيًا مع إسبانيا والبرتغال، بل هو أيضًا مشروع سيادي مغربي يقوده جلالة الملك محمد السادس، بهدف جعل الرياضة وسيلة لترسيخ مغرب دامج، متماسك، ومزدهر.

في الخلاصة يُمكن القول إن المغرب يتعامل مع كأس العالم 2030 كفرصة تاريخية لتسريع تحوله نحو اقتصاد حديث ومجتمع عادل، مستفيدًا من الحدث العالمي لتثبيت مكانته كقوة صاعدة، ليس فقط في إفريقيا، بل على الساحة الدولية ككل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى