
من الذاكرة إلى التنمية: جامعة سلا تُعيد الاعتبار للتراث كقوة ناعمة لبناء المستقبل

الرباط: إستثمار
تحتضن كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا يومي 28 و29 أكتوبر 2025 النسخة الأولى من اللقاءات الدولية حول “الثقافة، التراث والتنمية”، في مبادرة أكاديمية وثقافية تسعى إلى إعادة التفكير في علاقة المغرب بتراثه المادي واللامادي، وإبراز دوره في التنمية المستدامة والانفتاح الحضاري.
اللقاء يضم شخصيات علمية بارزة من داخل المغرب وخارجه، من بينها باحثون من الولايات المتحدة وإسبانيا وفرنسا والمملكة العربية السعودية والإمارات ولبنان واليمن، مما يمنحه طابعاً دولياً يعكس مكانة الجامعة المغربية كفضاء للتفاعل المعرفي العابر للحدود.
في كلمته الافتتاحية، أكد عميد الكلية الدكتور مصطفى المشرفي على أهمية هذا الحدث، مستحضراً الرؤية الملكية السامية التي عبّر عنها جلالة الملك محمد السادس في رسالته إلى الدورة 23 للجنة التراث العالمي المنعقدة بمراكش سنة 1999، حيث شدد جلالته على أن نضج الشعوب يُقاس بمدى وعيها بقيمة تراثها، وبالجهد الذي تبذله في صونه وتجديده.
وقد جاءت هذه الإشارة لتمنح للقاء عمقاً فكرياً يعيد ربط النقاش الأكاديمي بالمشروع الحضاري الوطني.
عرف اليوم الأول من اللقاء تنوعاً في المداخلات التي قاربت موضوع التراث من زوايا متعددة. فقد ناقشت الدكتورة عائشة بلعربي “الذاكرة النسائية وتراث مدينة سلا من منظور جندري”، مبرزة كيف ساهمت النساء في حفظ الذاكرة الحضرية والثقافية. أما الباحث الإسباني خوسيه مولينا غونزاليس فقدم عرضاً حول “رقمنة لغة الصفير – سيلبو غوميرا”، باعتبارها نموذجاً لسبل الحفاظ على اللغات المهددة بالاندثار من خلال التكنولوجيا الحديثة. كما تناول الباحث الأمريكي كليه هود موضوع “قيمة الماء: الذاكرة والهجرة والانتماء في المغرب”، رابطاً بين التراث الطبيعي والهوية الثقافية.
وشملت المداخلات الأخرى موضوعات تتعلق بحماية التراث في القانون الدولي الإنساني، والتزامات المغرب في الاتفاقيات الدولية الخاصة بصونه، ما أضفى على اللقاء طابعاً شاملاً جمع بين البعد الثقافي والحقوقي والمؤسساتي.
وفي لحظة رمزية ذات دلالة، تم خلال الندوة المسائية تكريم السيد نور الدين أشماعو، رئيس جمعية أبي رقراق، بحضور أعضاء مكتب الجمعية، اعترافاً بإسهاماته المتميزة في الحفاظ على تراث مدينة سلا ونشر ثقافتها المحلية. وقد لقيت هذه المبادرة استحساناً كبيراً لما تحمله من رسالة تقدير للعمل المدني في خدمة الذاكرة الجماعية.
وتتواصل أشغال اللقاء في يومه الثاني بمداخلات علمية جديدة وزيارات ميدانية لمعارض فكرية وفنية داخل الكلية، خاصة معرض الكتب الذي يهدف إلى تعزيز القراءة والنقاش العلمي حول قضايا الثقافة والتراث والتنمية.
وتجدر الإشارة إلى أن كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا، منذ تولي عمادتها الدكتور مصطفى المشرفي، تعرف دينامية علمية متواصلة جعلتها فضاءً للإبداع الأكاديمي والانفتاح الثقافي، في انسجام مع التحولات الوطنية والدولية التي تجعل من الجامعة فاعلاً أساسياً في صياغة المستقبل.
هكذا يبرز هذا الحدث الدولي كترجمة ملموسة لفكرة أن التراث ليس مجرد ماضٍ يُروى، بل مشروع يُبنى، وأن استثماره الثقافي والمعرفي يمثل رهاناً حقيقياً للتنمية ولتعزيز صورة المغرب كبلد يجمع بين الأصالة والتجديد.





