الصناعة المغربية تتجاوز المليون وظيفة لأول مرة: رأس المال الوطني يقود ثورة إنتاجية غير مسبوقة

الرباط: نارمان بنمسعود

حقّق القطاع الصناعي المغربي إنجازاً تاريخياً سنة 2024، بعد أن تجاوز ولأول مرة عتبة المليون منصب شغل، مسجلاً 1.038.133 وظيفة نشطة، بزيادة صافية بلغت 42 ألفاً و714 منصباً خلال عام واحد فقط، وفق ما كشفت عنه وزارة الصناعة والتجارة في آخر مؤشراتها السنوية.

لكن الرقم الأكثر دلالة في هذا التحول الصناعي اللافت ليس فقط في حجم التشغيل، بل في هوية الرأسمال المستثمر: إذ أصبح 70 في المئة من النسيج الصناعي مملوكاً لمستثمرين مغاربة، في مؤشر على تنامي الثقة الوطنية في قدرة الاقتصاد المحلي على الإبداع والإنتاج والمنافسة.

الأرقام التي قدّمها الوزير رياض مزور تعكس ملامح قطاع يعيش دينامية غير مسبوقة، إذ بلغ رقم معاملات الصناعة 898 مليار درهم، بارتفاع قدره 9 في المئة مقارنة بسنة 2023، فيما قفزت الإنتاجية الصناعية إلى 842 مليار درهم (+12%)، وارتفعت القيمة المضافة إلى 240 مليار درهم (+11%). أما الاستثمارات الصناعية فقد سجلت نمواً قياسياً بـ30 في المئة، لتصل إلى 90 مليار درهم تم ضخها في سنة واحدة فقط.

وتُظهر هذه المؤشرات أن الصناعة المغربية لم تعد مجرد قطاع منتج للسلع، بل أصبحت قاطرة اقتصادية تمتص جزءاً كبيراً من البطالة الناتجة عن تراجع قطاعات تقليدية كالفلاحة، وتعيد رسم ملامح التوازن في سوق الشغل الوطني.

كما تسجل الفترة الممتدة بين 2021 و2024 تحولاً بنيوياً، إذ تضاعف رقم المعاملات بـ2.2 مرة، فيما ارتفعت الصادرات الصناعية إلى ثلاثة أضعاف، وهو ما يعكس انتقال الصناعة المغربية من مرحلة التجميع إلى مرحلة التصنيع المتكامل الموجه للأسواق الدولية.

ويبرز في هذا السياق تفوق قطاع السيارات الذي أصبح القلب النابض للصناعة الوطنية، محققاً رقم معاملات ناهز 196 مليار درهم، وموفراً أكثر من 250 ألف فرصة شغل مباشرة، ليكرّس موقعه كأول قطاع تصديري في المملكة.

ولعل التحول الأعمق يتمثل في التحول النوعي للنسيج الصناعي المغربي، حيث أصبحت الصناعات المتوسطة والعالية التكنولوجيا تشكل أكثر من نصف القيمة المضافة الصناعية، في وقت ارتفعت فيه الإنتاجية الفردية للعمال بنسبة 30 في المئة خلال العقد الأخير، لتبلغ 231 ألف درهم سنوياً.

هذه القفزة النوعية تترجم إرادة الدولة في بناء نموذج صناعي وطني متين، يرتكز على الابتكار والتصنيع المحلي والتصدير، ويُعيد الاعتبار لدور الرأسمال الوطني كفاعل مركزي في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.

فالمغرب كما تؤكد المؤشرات، لم يعد مجرد منصة إنتاج، بل بات قوة صناعية صاعدة ترسم لنفسها مكانة تنافسية في سلاسل القيمة العالمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى