
تراجع البطالة في المغرب… تحسّنٌ رقمي يخفي أزمة بنيوية في سوق الشغل
الرباط: إدريس بنمسعود
في أحدث مؤشرات سوق العمل، كشفت المندوبية السامية للتخطيط عن تراجع معدل البطالة في المغرب إلى 13,1% خلال الفصل الثالث من سنة 2025، مقابل 13,6% في الفترة نفسها من السنة الماضية.
ورغم أن الانخفاض بـ0,5 نقطة مئوية يبدو إيجابياً في ظاهره، إلا أنه يثير تساؤلات عميقة حول طبيعة الوظائف المحدثة، ومدى استدامة التحسن في ظل هشاشة البنية الاقتصادية وغياب التحول الحقيقي في هيكلة سوق الشغل.
فالأرقام تُظهر أن التراجع طال البطالة في الوسطين الحضري والقروي على السواء، غير أن ذلك لم يُترجم إلى تحسن ملموس لدى الفئات الأكثر هشاشة؛ إذ لا تزال البطالة بين الشباب عند مستوى مرتفع بلغ 38,4%، فيما بلغت بطالة النساء 21,6%، وحاملي الشهادات 19%. هذه النسب تكشف أن سوق الشغل لا يزال منغلقاً أمام الكفاءات ويفتقر إلى دينامية إنتاجية قادرة على استيعاب طاقات الخريجين.
وبينما تشير الأرقام الرسمية إلى خلق 167 ألف منصب شغل جديد، فإن أغلبها تم في قطاعات ذات مردودية محدودة واستقرار هش، مثل الخدمات والبناء، مقابل استمرار فقدان المناصب في قطاع الفلاحة والغابة والصيد (-47 ألف منصب)، وهو ما يعيد إنتاج نفس الاختلالات البنيوية التي طالما ميزت التشغيل في المغرب: هيمنة الشغل غير المهيكل وضعف القيمة المضافة للقطاعات المنتجة.
كما يسجل التقرير مفارقة لافتة: فبينما تراجعت البطالة الإجمالية، ارتفع الشغل الناقص إلى 11,1%، أي بزيادة تفوق 130 ألف شخص، وهو ما يعني أن عدداً كبيراً من المغاربة باتوا يعملون في وظائف جزئية أو موسمية لا تضمن دخلاً كريماً ولا حماية اجتماعية.
هذا الواقع يضع علامات استفهام حول جودة التشغيل وليس فقط كميته، ويؤكد أن جزءاً من “التحسن” يعود إلى تحول العاطلين إلى فئة العاملين جزئياً، لا إلى توسع حقيقي في فرص العمل المستدامة.
من جهة أخرى، تُظهر التفاصيل تباينات مقلقة: ففي الوقت الذي تراجع فيه معدل بطالة الرجال إلى 10,6%، ارتفع معدل بطالة النساء إلى 21,6%، ما يعكس عمق الفجوة الجندرية في الولوج إلى سوق العمل، وضعف السياسات العمومية في تمكين النساء اقتصادياً. كما سجل حاملو الشهادات العليا ارتفاعاً طفيفاً في البطالة، ما يؤشر على اختلال العلاقة بين التعليم وسوق الشغل.
في المحصلة يبدو أن تراجع معدل البطالة رقمياً لا يخفي حقيقة أن سوق العمل المغربي ما زال أسير المقاربة الكمية، وأن المطلوب اليوم ليس فقط خفض النسب، بل بناء سياسة تشغيل جديدة تُعيد الاعتبار للإنتاج، وتربط بين النمو الاقتصادي وفرص الشغل اللائق، حتى لا يظل التحسن في المؤشرات مجرد “أرقام بلا أثر” في الواقع الاجتماعي.





