بين المسؤولية والتنافسية: الاتحاد العام لمقاولات المغرب يطلق ثورة جديدة في ثقافة التقييم المقاولاتي

الرباط: ريم بنكرة

في زمن تتسارع فيه التحولات الاقتصادية وتتعمق فيه التحديات الاجتماعية والبيئية، يبدو أن الاتحاد العام لمقاولات المغرب اختار أن يقطع مع منطق “المقاولة التقليدية” ليفتح أفقًا جديدًا أمام المقاولة المواطِنة، من خلال خطوة نوعية تمثلت في اعتماد خمس مكاتب دولية متخصصة لتقييم المقاولات المترشحة لنيل “علامة المقاولة الصغرى والمتوسطة المسؤولة”.

العلامة، التي أطلقها الاتحاد في ماي 2025، ليست مجرد شهادة رمزية أو إجراء إداري شكلي، بل تمثل محاولة جادة لإعادة صياغة العلاقة بين الربح والمسؤولية، وبين النمو الاقتصادي والاستدامة الاجتماعية. إنها مقاربة جديدة في المشهد الاقتصادي المغربي تسعى إلى جعل المسؤولية الاجتماعية جزءاً من هوية المقاولة وليس مجرد شعار دعائي.

واعتمد الاتحاد مكاتب مرموقة مثل Certi Trust وBureau Veritas وKPMG وSGS Maroc وTargetup Consulting، وهي أسماء تحمل خبرة عالمية في مجال التقييم والتدقيق والحوكمة، ما يعكس رغبة واضحة في ضمان شفافية ومصداقية العملية وفق المعايير الدولية. هذه الخطوة تمثل، في حد ذاتها، انتقالاً من منطق “التصنيف الوطني” إلى منطق الاعتراف الدولي بالممارسات المغربية في مجال المسؤولية المقاولاتية.

من زاوية مقارنة يمكن القول إن المغرب يسير على خطى دول رائدة مثل فرنسا وكندا، حيث أصبحت “العلامات المسؤولة” معيارًا أساسيًا لتصنيف المقاولات وشرطًا ضمنيًا لجذب التمويلات والشراكات غير أن ما يميز التجربة المغربية هو تركيزها على المقاولات الصغرى والمتوسطة، التي غالبًا ما تعاني من ضعف في الهيكلة وندرة في الموارد البشرية والمالية. وهنا تكمن جرأة المبادرة: تحويل الحلقة الأضعف في الاقتصاد إلى قاطرة للتغيير عبر منطق التشجيع والمواكبة بدل العقاب والتهميش.

هذه العلامة، التي تمنحها جهة اعتبارية مثل الاتحاد العام لمقاولات المغرب، ليست فقط وسيلة لرفع منسوب الثقة بين القطاعين العام والخاص، بل أداة عملية لقياس أثر المقاولة في المجتمع والبيئة، وهو ما بات اليوم شرطًا من شروط التمويل الدولي والشراكات العابرة للحدود.

إن القراءة العميقة لهذه الخطوة تكشف عن تحول ثقافي في بنية الاقتصاد الوطني، من اقتصاد يركز على الأرقام والمؤشرات إلى اقتصاد يُقاس فيه الأداء بمدى احترام الإنسان والبيئة والمجتمع. وإذا نجحت هذه التجربة في ترسيخ ثقافة جديدة داخل نسيج المقاولات الصغرى والمتوسطة، فستكون بحق نقطة تحول في مسار الاقتصاد المغربي نحو نموذج أكثر عدلاً واستدامة.

وفي النهاية يبدو أن الاتحاد العام لمقاولات المغرب لم يعد يكتفي بلعب دور “ممثل رجال الأعمال”، بل يسعى إلى أن يكون قوة اقتراحية وإصلاحية تعيد صياغة مفهوم النجاح الاقتصادي، من ربح مادي صرف إلى ربح شامل تتقاسمه المقاولة والمجتمع والدولة على حد سواء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى