قراصنة البتكوين في المغرب: تقنيات اختراق متطورة وسط فراغ قانوني وأمني

الرباط: إستثمار

في ظل الطفرة التي تعرفها العملات المشفرة في العالم، برزت شبكات اختراق مغربية قادرة على النفاذ إلى منصات تداول عالمية، مستغلة الثغرات الأمنية والتقنية لسرقة الأرصدة الرقمية وتحويلها إلى الداخل. فهل نحن أمام جريمة إلكترونية عابرة للحدود أم نموذج جديد لتبييض الأموال الرقمي؟

الأساليب التقنية للاختراق

تكشف التحقيقات أن القراصنة المغاربة يعتمدون على مزيج من الحيل الهندسية الاجتماعية والتقنيات السيبرانية الدقيقة لاختراق محافظ العملة المشفرة. تبدأ العملية غالباً بإنشاء هويات مزيفة على منصات التداول أو وسائل التواصل، يتم من خلالها استدراج الضحايا أو التسلل إلى بياناتهم الخاصة.

أكثر الأساليب شيوعاً تشمل اختراق البريد الإلكتروني المرتبط بالحسابات المالية، عبر هجمات “التصيّد الاحتيالي” أو “البرمجيات الخبيثة” التي تُزرع في أجهزة المستخدمين. وبمجرد الوصول إلى البريد الإلكتروني، يتم كسر طبقات الحماية الثنائية واستعادة كلمات السر، مما يتيح الوصول الكامل إلى المحافظ الرقمية.

بعض القراصنة يستخدمون أدوات متقدمة لفك تشفير كلمات المرور عبر تقنيات “Brute Force” أو “Keyloggers”، مستغلين نقاط ضعف في تأمين الحسابات السحابية. ويتم في المرحلة الموالية تحويل الأصول الرقمية، مثل “بتكوين” أو “إيثيريوم”، إلى محافظ أخرى يصعب تتبعها، قبل تصريفها إلى العملة المحلية.

التحديات الأمنية والقانونية

تُعد هذه الجرائم تحديًا مضاعفًا للمؤسسات الأمنية في المغرب، إذ إنها لا تتعلق فقط بعمليات اختراق عابرة، بل بشبكات تقنية منظمة تتعامل مع أموال غير قابلة للتتبع بسهولة. ضعف التشريعات الوطنية في ملاحقة الجرائم الرقمية، خاصة تلك المتعلقة بالعملات المشفرة، يزيد من صعوبة تعقب الجناة ومحاكمتهم.

غياب إطار قانوني واضح ينظم التعامل بالعملات الرقمية يجعل من ملاحقة هذه الجرائم أمراً إشكالياً، سواء على مستوى الإثبات الرقمي أو على صعيد التعاون القضائي الدولي. كما أن معظم المنصات التي تتم فيها عمليات التحويل تقع خارج السيادة الوطنية، مما يستوجب آليات تنسيق معقدة مع الدول المضيفة.

الأمن السيبراني بدوره لا يزال في طور التحديث داخل العديد من المؤسسات المالية المغربية، التي لا تعتمد إلى اليوم أنظمة كشف متقدمة للتلاعبات الرقمية أو تحويلات مشبوهة مرتبطة بالعملات الافتراضية.

إن تنامي هذا النوع من الجرائم الرقمية يفرض على المغرب مراجعة شاملة لاستراتيجياته التشريعية والتقنية في المجال السيبراني، وتكثيف تعاونه مع الشركاء الدوليين لردم الهوة التي تسمح لقراصنة العملات المشفرة بالتحرك بحرية في الفضاء الرقمي.

مسارات تحويل الأموال وتبييضها داخل المغرب

بعد نجاح عملية الاستيلاء على الأصول المشفرة من المحافظ الرقمية، يلجأ القراصنة إلى تقنيات تمويه متطورة لتصريف هذه الأموال داخل المغرب. العملية تبدأ غالباً بتحويل العملات المشفرة (خصوصاً البيتكوين) إلى عملات رقمية أخرى أقل خضوعاً للرقابة، مثل “مونيرو” أو “داش”، وذلك بهدف كسر أي خيوط محتملة للتتبع.

المرحلة التالية تتم عبر منصات تداول دولية غير مركزية، حيث تُحوّل الأرصدة إلى محافظ إلكترونية جديدة، ثم تُباع عبر وسطاء محليين يعملون في الظل، مقابل العملة المحلية. هؤلاء الوسطاء يشكلون حلقة حاسمة في دورة التبييض، إذ يتكفلون بإعادة إدخال الأموال إلى السوق المغربية من خلال عمليات تجارية صورية أو حسابات بنكية لمقاولات وهمية.

وفي حالات أكثر تعقيداً يعمد القراصنة إلى شراء محتوى رقمي أو سلع افتراضية، خاصة داخل منصات الألعاب الإلكترونية، مستغلين الثغرات في أنظمة الدفع عبر بطاقات الهدايا أو العملات الافتراضية داخل الألعاب. وتُمكّن هذه الطريقة من “غسل” العملات الرقمية وتسييلها لاحقاً من خلال إعادة بيعها في الأسواق السوداء الرقمية.

تُشير تقارير استخباراتية إلى أن بعض هذه المعاملات تمر أيضاً عبر شركات ناشئة تعمل في مجالات التكنولوجيا الرقمية بما فيها تطوير التطبيقات أو بيع الخدمات عن بُعد، وهو ما يمنحها واجهة قانونية تُخفي الطابع الإجرامي للعمليات.

هذا التداخل بين الاقتصاد الرقمي الشرعي والعمليات الإجرامية المعقدة يُصعّب مأمورية أجهزة الرقابة المالية، ويطرح علامات استفهام حول دور الأبناك، وشركات تحويل الأموال والمقاولات الرقمية في رصد التدفقات المشبوهة وتبليغ السلطات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى