بعد قرار “أوبك+” التاريخي.. هل ينعكس استقرار أسعار النفط إيجاباً على الاقتصاد المغربي؟

الرباط: إستثمار

في منعطف حاسم لأسواق الطاقة العالمية، أعلن تحالف “أوبك+” عن زيادة طفيفة في إنتاج النفط تبلغ 137 ألف برميل يومياً اعتباراً من دجنبر المقبل، مع تجميد أي زيادات إضافية حتى الربع الأول من 2026. يرى خبراء الطاقة المغاربة أن هذه الخطوة تحمل رسائل متضاربة للسوق: تأكيد على استقرار أساسيات السوق من ناحية، وحذر من أي انهيار حاد في الأسعار قد يضر بمصالح الدول المنتجة من ناحية أخرى.

يأتي هذا القرار في وقت يستعد فيه المغرب – الذي يعتمد بشكل شبه كامل على الاستيراد لتلبية احتياجاته الطاقية – لتنفيذ مشروع قانون مالية 2026 الذي يفترض سعراً مرجعياً للنفط حول 80 دولاراً للبرميل، في مسعى للحفاظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية وضبط الفرضيات المرتبطة بتقلبات الأسعار العالمية.

يؤكد الخبير الاقتصادي مصطفى لبراق أن هذا القرار يعكس استمرار الدول الأعضاء في النهج المحافظ لمستويات الإنتاج المنخفضة حالياً، في انتظار بدء التخفيضات الإضافية المقررة عام 2026. ويشير إلى أن العوامل الرئيسية وراء هذا القرار تتمثل في الضغوط الأمريكية على روسيا والحظر الجزئي على منتجاتها النفطية، ما يدفع موسكو للمطالبة بخفض إنتاج المجموعة للحفاظ على الأسعار عند مستويات 70 دولاراً للبرميل.

يتوقع لبراق أن تشهد نهاية 2025 وبداية 2026 استقراراً نسبياً في السوق العالمية، مع وفرة في الإمدادات وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، ما سيبقي الأسعار في نطاق 60-65 دولاراً للبرميل. ويوضح أن “أوبك+” تسعى لرفع الأسعار عبر تقليص الإنتاج لكنها تحرص في نفس الوقت على عدم الإضرار باقتصادات الدول المستوردة، لأن أي تباطؤ في الطلب العالمي سينعكس سلباً على الدول المنتجة أيضاً.

من جانبه، يرى الأستاذ الجامعي محمد جواد مالزي أن قرار رفع الإنتاج يمثل إشارة محدودة لتيسير الإمدادات بعد مرحلة طويلة من التخفيضات الطوعية، لكن الزيادة الضئيلة مقارنة بإجمالي الخفض البالغ 1.65 مليون برميل يومياً يجعل أثرها المباشر على الأسعار العالمية محدوداً. ويشير إلى أن الأسواق النفطية تظل متأثرة بعوامل جيوسياسية هيكلية، منها استمرار الحرب في أوكرانيا، وتوترات الشرق الأوسط، والتباطؤ الاقتصادي في الصين، ما يحافظ على نطاق تقلب الأسعار واسعاً رغم زيادة المعروض.

وبخصوص فرضية 80 دولاراً للبرميل في مشروع قانون مالية 2026، يرى مالزي أن قرار “أوبك+” الحالي قد يمنح بعض المصداقية لهذا الافتراض، لأنه يرسل إشارة لرغبة التحالف في استقرار السوق لا في رفع الأسعار. ويضيف أن تجميد الزيادات في الربع الأول من 2026 يعني أن التحالف سيحافظ على قدر من الانضباط في الإمدادات، ما يبقي الأسعار قريبة من مستويات 80-85 دولاراً دون انخفاض كبير.

يخلص الخبراء إلى أن المكسب الأساسي للمغرب من هذا القرار يتمثل في تقليص عنصر “عدم اليقين” وليس انخفاض السعر بحد ذاته. فاستقرار الأسعار حول 80 دولاراً يتيح تخطيطاً أدق للإنفاق العام وتخفيفاً جزئياً لضغط التضخم المستورد، لكنه لا يغير جذرياً معادلة التبعية الطاقية. لذلك يبقى الرهان الحقيقي للمغرب على تسريع الاستثمار في الطاقات المتجددة والغاز الطبيعي لتقليص التعرض لصدمات “أوبك+” المستقبلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى