
الوالي أمزازي يرسم ملامح جيل جديد من التنمية الترابية: من منطق المشاريع إلى ثقافة الأثر الملموس
آكادير: إستثمار
في كلمة مؤثرة وشاملة، قدّم والي جهة سوس ماسة، خلال اللقاء التشاوري المنعقد يوم 5 نونبر 2025، رؤية متكاملة لتفعيل برنامج التنمية الترابية المندمجة، مستلهماً في ذلك التوجيهات الملكية السامية التي أكدت على ضرورة بناء مغرب متوازن، قوي بمؤسساته، ومتكافئ بين مجالاته.
منطلقات سياسية وتنموية
استهلّ السيد الوالي كلمته بالتأكيد على أن هذا اللقاء لا يأتي صدفة، بل في سياق وطني مميز يتزامن مع التحولات الكبرى التي تعرفها المملكة في قضية وحدتها الترابية، حيث أشار إلى أن المرحلة الحالية تمثل منعطفاً تاريخياً جديداً بعد قرار مجلس الأمن الأخير، الذي عزز الموقف المغربي وأكد مشروعية مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية.
وقال إن “ما بعد 31 أكتوبر 2025 ليس كما قبله”، في إشارة إلى أن المغرب دخل مرحلة “ترسيخ الاعتراف الدولي” بعد “مرحلة تثبيت الشرعية التاريخية”، وهو ما يفرض دينامية داخلية توازي هذا التقدم الدبلوماسي عبر تنمية شاملة في كل ربوع الوطن.
تنزيل الرؤية الملكية في الميدان
وفي سياق ربط السياسي بالتنموي، ذكّر الوالي بمضامين الخطابين الملكيين الأخيرين – خطاب العرش (29 يوليوز 2025) وخطاب افتتاح الدورة التشريعية (10 أكتوبر 2025) – اللذين شددا على الانتقال من البرامج التقليدية إلى جيل جديد من التنمية الترابية يقوم على العدالة المجالية والتضامن بين الأقاليم والجهات.
وأشار إلى أن جلالة الملك دعا إلى تثمين الرأسمال الترابي وتوسيع برامج التنمية المندمجة لتشمل المناطق القروية الناشئة والمجالات الساحلية والجبلية، باعتبارها رافعة للتماسك الوطني والاجتماعي.
مقاربة جديدة: تشاركية وواقعية
أكد السيد الوالي أن نجاح أي ورش تنموي رهين بمدى تعبئة جميع الفاعلين المحليين – من مؤسسات منتخبة وإدارات عمومية ومجتمع مدني وقطاع خاص – في إطار منهجية تشاركية تصاعدية تنطلق من حاجيات المواطنين الفعلية.
وأوضح أن هذا اللقاء التشاوري يشكل المرحلة التمهيدية لوضع تصور جماعي حول برنامج التنمية الترابية المندمجة لعمالة أكادير إداوتنان، مؤكداً أن الهدف هو الانتقال من منطق البرامج إلى منطق الأثر، أي من المشاريع الورقية إلى النتائج الملموسة في حياة الساكنة.
أولويات البرنامج: التشغيل، العدالة الاجتماعية، والبنيات الأساسية

حدد السيد الوالي جملة من الأولويات الكبرى التي سيقوم عليها البرنامج، من بينها:
تحفيز التشغيل ودعم المقاولات المحلية، خصوصاً لفائدة الشباب والنساء في العالم القروي.
تحسين الخدمات الاجتماعية الأساسية في مجالات الصحة والتعليم.
تدبير مستدام للموارد المائية وتوسيع شبكات الماء الصالح للشرب.
دعم البنيات التحتية والتأهيل الترابي للمناطق الجبلية والناشئة.
تحقيق التكامل بين القطاعات العمومية والخاصة لتوليد الثروة المحلية وضمان استدامتها.
وفي هذا الإطار، كشف عن تخصيص 20 مليار درهم في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2026 لتنزيل هذا الجيل الجديد من البرامج، منها 140 مليار درهم موجهة لقطاعي التعليم والصحة، وهو ما يعكس الإرادة الحكومية في تحقيق العدالة المجالية والاجتماعية.
من الحكامة إلى الفعالية: ثقافة جديدة للتدبير
شدد الوالي على أن التنمية المندمجة ليست مجرد وثيقة تقنية، بل مشروع مجتمعي مسؤول يقوم على القيم التي دعا إليها جلالة الملك: الشفافية، الحكامة، والمساءلة.
وأكد أن المرحلة المقبلة تتطلب “تغيير العقليات” واعتماد مقاربة جديدة في تدبير الشأن العام المحلي، قائمة على الالتقائية، الفعالية، وتوحيد الجهود، معتبراً أن “النجاح الحقيقي يقاس بالأثر الملموس لا بعدد المشاريع المعلن عنها”.
نداء للوحدة والمسؤولية
في ختام كلمته، وجّه السيد الوالي نداءً إلى كل الفاعلين المحليين من منتخبين ومجتمع مدني ومؤسسات عمومية للمشاركة الفعلية في صياغة البرنامج، قائلاً:
> “لسنا أمام تمرين تقني، بل أمام مسؤولية جماعية بين الدولة والمواطن، بين جيلٍ يسلّم وجيلاً يتحمّل، لصناعة مغرب جديد يقوم على الفعل لا القول.”
ودعا إلى ترسيخ ثقافة الحوار والتشارك باعتبارها السبيل الوحيد لإنجاح هذا الورش، مؤكداً أن التنمية الحقيقية “هي التي تنبع من الميدان، وتعكس حاجات الناس، وتستجيب لتطلعاتهم نحو الكرامة والعدالة والعيش الكريم”.





