
بنعليلو يدق جرس الإنذار: “انتهى زمن الأرقام المنفوخة.. وبدأ عهد محاسبة الأثر الحقيقي على حياة المغاربة”
الرباط: نارمان بنمسعود
أكد محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، أن المرحلة الحالية لم تعد تتسامح مع اختزال فعالية السياسات العمومية في حجم التقارير أو نسب الإنجاز أو مستوى النفقات، معتبراً أن هذه المقاربة أوصلت البلاد إلى قراءات شكلية ونتائج منتفخة لا تعكس واقع المواطن. وأضاف أن التجربة أثبتت أن مثل هذه المؤشرات تمنح وهماً بالنجاعة، بينما تفتح الباب لموجة من المزايدات التي تبتعد عن جوهر الإصلاح.
وخلال كلمته في اللقاء الدراسي حول تقييم أثر سياسات مكافحة الفساد، اليوم الاثنين بالرباط، شدد بنعليلو على أن المغرب يدخل مرحلة جديدة من التفكير العمومي، تنتقل من السؤال التقليدي حول وجود السياسات إلى سؤال أكثر عمقاً: ماذا غيّرت هذه السياسات فعلاً في المجتمع؟ موضحاً أن الزمن السياسي والمؤسساتي الراهن يفرض تجاوز منطق توثيق الجهود ومراكمة الإصلاحات نحو قياس النتائج الملموسة ومساءلة أثرها الحقيقي.
ونبّه رئيس الهيئة إلى أن هوس الاعتماد على مؤشرات شكلية ومتكررة لا يقدم حلولاً للمواطن، بل يزيد من إحساسه بأن الخطاب العمومي بعيد عن انشغالاته اليومية، داعياً إلى القطع النهائي مع هذه المقاربات الانطباعية واعتماد تقييم موضوعي مبني على الأدلة.
وفي هذا الإطار، أبرز بنعليلو أن مشروع الدليل الوطني لتقييم الأثر يشكل خطوة جادة لبناء ثقافة جديدة تقوم على الحساب الممنهج والتقييم العلمي الرصين. وأشار إلى أن أهمية اللقاء لا تكمن في عرض وثيقة جديدة، بل في التحول العميق الذي يُراد ملامسته: الانتقال من “ثقافة الإنجاز الشكلي” إلى “ثقافة الأثر الحقيقي”، مؤكداً أنه في ظل التحولات الاجتماعية المتسارعة، أصبح من الضروري إثبات أن الموارد العمومية تتحول إلى نتائج محسوسة لدى المواطن.
وأوضح أن الأثر المنشود ليس رقماً يُسجَّل في تقارير مؤسساتية، بل هو تغيّر فعلي في السلوك والممارسات، وانخفاض في كلفة الفساد، وارتفاع في منسوب الثقة العامة. وأضاف أن الانتقال نحو تقييم الأثر هو إعلان عن نقلة منهجية تجعل المسؤول محاسَباً على التغيير الذي يحدثه، لا على حجم الخطوات التي يعلن عنها.
كما استعرض الأسس العلمية للدليل الجديد، الذي تم تطويره بشراكة مع مجلس أوروبا، مؤكداً أنه أول مرجع وطني مندمج ينسجم مع المعايير الأوروبية في تقييم السياسات العمومية. ولفت إلى أن الدليل يستند إلى مفهوم “نظرية التغيير” وسلاسل القيمة، ويميز بين التتبع الإداري والتقييم الحقيقي للأثر، معتمداً على تحليل مهني للمعطيات بعيداً عن التفسيرات الظرفية.
وأشار المتحدث إلى أن هذا المشروع يهدف إلى وضع اللبنات الأولى لـ“نظرية تغيير وطنية” تربط بدقة بين المدخلات والأثر طويل الأمد، مؤكداً أن الدليل ليس وثيقة مغلقة، بل ورشة وطنية مفتوحة للتطوير المستمر لتمكين الفاعلين العموميين من أدوات تجعل التقييم مساراً مؤسسياً مستداماً.
وفي ختام كلمته، شدد بنعليلو على أن النجاح الحقيقي اليوم لا يُقاس بعدد النصوص أو الهيئات، بل بما يلمسه المواطن في حياته اليومية من تحسن وتراجع في الممارسات الفاسدة، مضيفاً أن الهيئة تعمل على بناء منظومة تمنح المواطن “حقاً جديداً”: الحق في معرفة أثر السياسات العمومية المتخذة باسمه، بما يضمن انتقال الدولة من منطق التطور الإداري إلى صناعة تغيير إيجابي ملموس.





