الخميسات تحت وطأة التهميش: هل ينقذ عامل الإقليم منطقة منسية ويُطلق ثورة تنموية شاملة؟
الرباط: إدريس بنمسعود
في ظل أوضاع تنموية متردّية تعاني منها العديد من جماعات إقليم الخميسات، تلوح في الأفق بوادر تغيير طال انتظاره، تقوده جولات ميدانية متواصلة لعامل الإقليم، السيد عبد اللطيف النحلي، المعروف بكفاءته ونزاهته.
ورغم أن هذه الزيارات تندرج ضمن المقاربة التشاركية، فإنها كشفت واقعاً صادماً من التهميش، وضعف البنيات التحتية، وغياب الخدمات الأساسية بعد عقود من الإقصاء.
ورغم هذه التحركات فإن التخوفات تتزايد من أن تظل تلك الجولات حبراً على ورق أو مجرّد تسويق لصورة وردية لا تعكس الواقع، ما لم تُترجم الخلاصات الميدانية إلى خطة تنموية شاملة، تُنهي فصول الهدر التنموي، والفوضى التي تطبع تسيير الشأن العام في عدد من الجماعات، حيث تغيب الرؤية ويتفشى الفساد.
وفي هذا السياق يطرح المتابعون ضرورة تغيير المقاربة التقليدية، من خلال إعداد برنامج تنموي شمولي ومندمج، يُشرك فيه جميع المتدخلين من جماعات ترابية، مجلس إقليمي، مجلس الجهة، ومصالح الدولة الخارجية، من أجل ضمان نجاعة التدخلات وتكاملها.
ولعل التجربة الرائدة لعمالة الصخيرات تمارة، التي أطلقت في 2018 برنامجاً تأهيلياً يمتد إلى غاية 2030 بميزانية فاقت 300 مليار سنتيم، تُعد نموذجاً يُحتذى، حيث شمل البرنامج كافة الجماعات بتراب العمالة، ضمن رؤية مندمجة ومستدامة.
ويمكن لهذا النموذج أن يُلهم إقليم الخميسات خاصةً في استهداف الجماعات الأكثر هشاشة، مثل “المغشوش”، “بوقشمير”، “المعازيز”، و”حودران”، والتي ما تزال محرومة من أبسط مقومات العيش الكريم، في ظل غياب البنية التحتية، والنقل، والماء، والكهرباء.
وفي المقابل تبرز مدينة تيفلت كاستثناء لافت بفضل جهود رئيس جماعتها السيد عبد الصمد عرشان الذي سعى إلى جذب اعتمادات مالية ضمن شراكات متعددة الأطراف، ما يجعلها اليوم نموذجاً صاعداً في تحديث البنية التحتية.
غير أن مدينة الخميسات عاصمة الإقليم تبقى غائبة عن ركب التنمية رغم موقعها الاستراتيجي القريب من العاصمة الرباط ما يستدعي إدماجها ضمن الأولويات في أي برنامج تنموي مرتقب خاصة مع اقتراب احتضان المغرب لتظاهرات دولية كبرى ككأس العالم وكأس إفريقيا.
ويتوجب أيضاً استثمار الميزانية المخصصة للمجلس الإقليمي، والمقدرة بـ12 مليار سنتيم، في مشاريع مهيكلة فعلاً بدل بعثرتها بشكل لا يحقق الأثر المطلوب. ومن المقترحات المطروحة إحداث شركة محلية لتنفيذ المشاريع، على غرار “الرباط وتمارة”، تضمن السرعة، الفعالية، والشفافية، وتفادي تسييس التنمية لخدمة أجندات انتخابية.
إقليم الخميسات يقف اليوم عند مفترق طرق: فإما الانطلاق نحو عهد جديد من التأهيل الشامل بقيادة عامل الإقليم، أو الاستمرار في دوامة التهميش التي عطّلت الإقليم لعقود.
فهل نرى انطلاقة فعلية تعيد الاعتبار لهذه الأرض المنسية؟
إن أي نجاح مرتقب للبرنامج التنموي بإقليم الخميسات يتطلب إرادة سياسية قوية، وتنسيقاً مؤسساتياً صارماً، وتحرراً من الحسابات الضيقة التي طالما كانت عائقاً أمام الانطلاقة الحقيقية للإقليم. فلا يمكن لأي برنامج أن يُحدث الفرق إذا لم تُقطع الصلة مع التدبير الفردي والارتجالي، وإذا لم تُفعّل آليات الشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
المطلوب اليوم ليس فقط إطلاق مشاريع تنموية معزولة، بل هندسة رؤية تنموية متكاملة، تُبنى على تشخيص واقعي، وتستشرف المستقبل وفق أولويات دقيقة، تستهدف في المرحلة الأولى الجماعات الأكثر هشاشة، وتوسع تدريجياً لتشمل الإقليم بأكمله. وهنا، تبرز ضرورة اعتماد خريطة طريق زمنية واضحة، قابلة للتنزيل، تتوزع على مراحل قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، مع تقييم دوري لحصيلة التقدم.
كما يجب على هذا البرنامج أن يُراعي الخصوصيات الاقتصادية والاجتماعية لكل جماعة، من خلال تحفيز الاستثمار المحلي، وتشجيع الفلاحة التضامنية، وتثمين المؤهلات السياحية والطبيعية التي يزخر بها الإقليم، مثل المنتزهات الجبلية والمواقع الغابوية والمائية، خاصة مع قربه الجغرافي من محور الرباط-الدار البيضاء.
ولا يمكن الحديث عن تنمية دون إشراك فعلي وفاعل لمكونات المجتمع المدني، الذي يجب أن يُمنح دوراً في تتبع المشاريع وتقييمها، ما سيساهم في خلق دينامية مجتمعية جديدة قوامها الثقة والشفافية. كما أن حضور المؤسسات المنتخبة، سواء المجالس الجماعية أو المجلس الإقليمي، لا ينبغي أن يظل شكلياً، بل يجب أن يُفعّل في إطار الشراكة الفعلية وتعبئة الموارد، وتجاوز منطق “الكل يغني على ليلاه”.
إقليم الخميسات لا تنقصه المؤهلات، بل يحتاج إلى من يلتقط اللحظة ويحوّلها إلى فرصة للانبعاث التنموي. والمسؤولية اليوم جسيمة، لكنها ليست مستحيلة، إذا توفرت الرؤية، والإرادة، والانسجام بين الفاعلين.
ويبقى الأمل معقوداً على عامل الإقليم الذي يحمل خبرة وطنية واطلاعاً واسعاً على برامج تأهيل الجماعات الصاعدة، ليقود تحولاً حقيقياً نحو إقليم منتج، متكامل، ومندمج، يسترجع مكانته ويعيد الأمل لساكنته.
وسنعود لهذا الموضوع بلاغ الأهمية بالتفصيل الممل في مقالاتنا القادمة.