
الذهب الأخضر بين العطش والربح: كيف نجح المغرب في تحويل أزمة المناخ إلى ورقة رابحة؟

الرباط: ريم بنكرة
في زمن يتسم بتقلبات مناخية حادة وأزمات جفاف متكررة تهدد الأمن الغذائي وتضرب قلب الإنتاج الفلاحي، برز المغرب كمثال مغاير، حاملاً في جعبته إنجازاً زراعياً غير متوقع: تصدير ما يفوق 56 ألف طن من فاكهة الأفوكادو خلال موسم 2024، محققاً عائدات مالية ناهزت 1.75 مليار درهم (نحو 179 مليون دولار). هذا التحول اللافت في مسار قطاع فلاحي هش يطرح أكثر من سؤال حول الخيارات الاستراتيجية، والرهانات البيئية، وحدود الاستدامة في نموذج يقوم على تصدير “فاكهة العطش”.
رغم تسجيل نمو بنسبة 25% مقارنة بالموسم السابق، إلا أن هذا الصعود لا يخلو من مفارقات. فالأفوكادو، التي اكتسبت صفة “الذهب الأخضر” نظراً لعائداتها المرتفعة ومكانتها المتزايدة في الأسواق العالمية، تُعد من أكثر المزروعات استنزافاً للموارد المائية، إذ تتطلب كميات ضخمة من المياه تفوق بكثير معدلات استهلاك المزروعات التقليدية. وهو ما يثير التساؤلات حول مدى ملاءمة هذا الخيار الفلاحي في بلد يعاني من إجهاد مائي بنيوي، ويواجه مستقبلاً مناخياً غامضاً.
الأسواق الأوروبية، خاصة فرنسا وألمانيا، أبدت شهية متزايدة تجاه العرض المغربي، مدفوعة بجودة الإنتاج وقرب المسافة. غير أن هذا الإقبال لا يعكس بالضرورة عدالة بيئية أو شراكة تنموية متوازنة، بقدر ما يكرّس دينامية تبعية تجارية حيث يتحول الجنوب إلى مزود بمنتجات تستنزف بيئته، لتغذية أسواق الشمال. المفارقة الأعمق أن هذا التوسع يتم في غياب نقاش عمومي حول أثره البيئي والاجتماعي على المناطق المنتجة.
في المقابل، يعكس أداء المغرب مقارنة بكينيا أو نيجيريا اختلافاً في الرؤية الاستراتيجية. فإذا كانت كينيا تسبق من حيث حجم الإنتاج، فإن المغرب يتفوق بقدرته على ولوج أسواق متعددة وتحقيق عائدات مستقرة، مستفيداً من بنياته التصديرية واتفاقياته التجارية مع أوروبا. أما نيجيريا، فرغم توفرها على مؤهلات طبيعية، تبقى رهينة عزوف المستثمرين، ما يكشف أهمية مناخ الأعمال أكثر من وفرة الموارد الطبيعية.
السوق العالمية للأفوكادو، التي تجاوزت قيمتها 16 مليار دولار في 2023، مرشحة لتصل إلى أكثر من 23 مليار دولار بحلول 2029، ما يعني أن المنافسة ستشتد، والضغوط على الموارد ستتزايد. في هذا السياق، يبدو أن المغرب اختار المضي قدماً في توظيف هذه الفاكهة كمصدر دخل واعد، غير أن الرهان الحقيقي يكمن في التوفيق بين الطموح الاقتصادي والضرورة البيئية، وبين الربح السريع والتنمية المستدامة.
إن نجاح المغرب في تصدير الأفوكادو لا يجب أن يُقرأ فقط من زاوية الأرقام والعائدات، بل يجب أن يُدرج ضمن نقاش أوسع حول النموذج الفلاحي الذي نريد، وموقع الفلاح الصغير في هذه السلسلة التصديرية، وجدوى الاستثمار في محاصيل تصديرية لا تراعي التوازنات البيئية. فهل يتحول “الذهب الأخضر” إلى نعمة مستدامة، أم إلى فخ بيئي جديد يُعمق الهشاشة بدل معالجتها؟





