
ترامب يعود إلى الشرق الأوسط من بوابة غزة
الرباط: ناريمان بنمسعود
حطّت طائرة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب صباح الاثنين في مطار بن غوريون بضاحية تل أبيب، في زيارة مفاجئة أعادت خلط أوراق المشهد السياسي في المنطقة، بالتزامن مع إعلان حركة حماس الإفراج عن دفعة أولى من سبعة رهائن كانوا محتجزين لديها في قطاع غزة منذ أكثر من سنتين. وقد كان في استقبال ترامب كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، في مشهد عكس رغبة إسرائيلية واضحة في استثمار رمزية الرجل الذي لا يزال يُنظر إليه كأحد أكثر الرؤساء الأمريكيين دعمًا لإسرائيل منذ قيامها.
الزيارة التي لم يُعلن عنها مسبقًا جاءت وسط إجراءات أمنية مشددة، وأحاطها الغموض من حيث توقيتها وأهدافها، خصوصًا وأنها تزامنت مع حدث إنساني وسياسي بالغ الحساسية تمثل في إطلاق سراح رهائن من قبل حركة حماس بعد مفاوضات جرت بوساطة قطرية ومصرية. هذا التزامن أثار موجة من التساؤلات حول ما إذا كانت هناك قنوات تواصل غير معلنة بين ترامب وبعض الأطراف الإقليمية، أو ما إذا كانت الخطوة جزءًا من مسرح سياسي جديد يراد منه تحريك الجمود الذي يخيم على الملف الفلسطيني– الإسرائيلي منذ سنوات.
مصادر إعلامية إسرائيلية تحدثت عن أن السلطات الأمنية فرضت طوقًا مشددًا في محيط المطار ومقر إقامة ترامب، في حين رجّحت تقارير أخرى أن يجري الأخير لقاءات مغلقة مع نتانياهو وعدد من قادة الأحزاب اليمينية. أما على الجانب الفلسطيني، فقد التزمت السلطة الفلسطينية الصمت الرسمي، بينما عبّرت بعض الأوساط في رام الله عن استغرابها لتوقيت الزيارة واعتبرتها استفزازًا لمشاعر الفلسطينيين، خاصة في ظل استمرار التصعيد العسكري على قطاع غزة.
عودة ترامب إلى المشهد الشرق أوسطي في هذا التوقيت أثارت قراءات متباينة في الأوساط الدبلوماسية. فالبعض يرى أنها محاولة من الرئيس الأمريكي السابق لإعادة تسويق نفسه كصانع للصفقات الكبرى في السياسة الخارجية، على غرار ما فعله خلال ولايته الأولى عندما رعى اتفاقات “أبراهام” للتطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. بينما يرى آخرون أنها مجرد مناورة سياسية موجهة إلى الداخل الأمريكي، تهدف إلى كسب الأضواء في مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.
في المقابل، رأت بعض التحليلات أن خطوة حماس بالإفراج عن الرهائن لا يمكن فصلها تمامًا عن السياق السياسي الذي تخلقه الزيارة، فقد تكون بادرة حسن نية تجاه واشنطن أو رسالة غير مباشرة للغرب بأن الحركة مستعدة للتفاعل مع أي مبادرات جديدة تخفف عنها الحصار والعزلة الدولية. ومع ذلك، يبقى من غير الواضح ما إذا كانت هذه التطورات مقدمة لانفراج محتمل، أم مجرد مصادفة زمنية أضفت بعدًا درامياً على الحدث.
الزيارة أثارت أيضًا ردود فعل متباينة على المستوى الدولي، حيث رحّبت وسائل الإعلام الإسرائيلية بالحدث باعتباره تأكيدًا لاستمرار الدعم الأمريكي التقليدي لإسرائيل حتى في غياب تنسيق رسمي مع الإدارة الحالية، فيما عبّر عدد من المحللين العرب عن تخوفهم من أن تمهد الزيارة لعودة خطاب “صفقة القرن” الذي سبق أن أثار جدلاً واسعًا في المنطقة.
وبينما يلتقي ترامب بنتانياهو في تل أبيب وتتحرك ملفات الأسرى في غزة، يبدو المشهد الإقليمي وكأنه يعيد إنتاج ذاته بين السياسة والدم، بين المبادرات الإنسانية والمصالح الانتخابية. فالزيارة، وإن بدت في ظاهرها لفتة رمزية، إلا أنها تحمل في طياتها أبعادًا سياسية واستراتيجية تتجاوز حدود البروتوكول. إنها لحظة تختزل تداخل المصالح بين أطراف تبحث عن مكاسب داخلية، وأخرى تحاول كسر طوق العزلة من خلال إشارات محسوبة بدقة.
وفي النهاية، تبقى زيارة ترامب إلى تل أبيب حدثًا محمّلًا بالرمزية والغموض معًا. فهل جاءت تمهيدًا لمبادرة سياسية جديدة تحمل بصمته المعهودة؟ أم أنها مجرد فصل آخر من فصول استعراضه السياسي الدائم؟ سؤال مفتوح على احتمالات كثيرة، في منطقة لا تهدأ فيها المفاجآت ولا تستقر فيها المعادلات إلا لتنفجر من جديد.



