
أرقام وردية وخيارات مثيرة للجدل: هل تكفي لغة المؤشرات لتبرير المنجز الحكومي؟
الرباط: ناريمان بنمسعود
في خضم الندوة الصحفية الأسبوعية للحكومة، قدّم مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة، عرضًا مطولًا حول ما اعتبره “منجزًا حكوميًا” في ظرف أربع سنوات. أرقام المداخيل الضريبية التي قفزت من 199 مليار درهم سنة 2020 إلى حوالي 363 مليار درهم بحلول 2026، والانخفاض التدريجي لعجز الميزانية من 7% إلى 3%، ومعدل المديونية المتوقع أن يتراجع من 72% إلى 65.8%… كلها معطيات تبدو للوهلة الأولى نجاحًا اقتصاديا مثيرًا للإعجاب.
غير أن القراءة النقدية لهذه المعطيات تكشف عن مفارقة أساسية: فالحكومة توظف لغة الأرقام لإقناع الرأي العام بصلابة “التوازنات الماكرو اقتصادية”، لكنها تتجنب الخوض في السؤال الجوهري: هل انعكس هذا التحسن المالي على القدرة الشرائية للمواطنين، وعلى جودة الخدمات الاجتماعية؟ فارتفاع المداخيل الضريبية لا يعني بالضرورة عدالة جبائية، بل قد يشير إلى ضغط ضريبي أكبر على الفئات الوسطى والصغرى، في وقت ما يزال فيه ملف العدالة الضريبية محل جدل واسع.
أما في الشق البيئي، فقد أعلن بايتاس عن تعديل مرسوم الشرطة البيئية لتوسيع صلاحياتها وتخفيف شروط الانخراط فيها، بهدف مضاعفة عدد مفتشيها ليصل إلى 80 بحلول 2026. خطوة تبدو إيجابية في ظل التحديات البيئية، لكن الانتقادات الموجهة تظل قائمة: هل تكفي زيادة عدد المفتشين دون رصد إمكانيات لوجستية ومالية حقيقية لمواجهة تلوث المقالع، النفايات الصناعية، ومعاصر الزيتون التي تشكل عبئًا بيئيًا متكررا؟
في النهاية، يظهر أن الحكومة تراهن على خطاب الأرقام والمؤشرات الماكرو اقتصادية كوسيلة لإثبات نجاحها، لكن التجربة تكشف أن المواطن لا يعيش عبر النسب المئوية ولا عبر معدلات العجز والمديونية، بل من خلال الأسعار في الأسواق، جودة الصحة والتعليم، وحماية بيئته. وهنا يبرز التحدي الحقيقي: تحويل الإنجازات الحسابية إلى أثر ملموس في الحياة اليومية للناس.





