
مغالطات إصلاح الصحة في المغرب: رحلة في دهاليز العقل التدبيري
الرباط: إستثمار
كشف مقال علمي أن تعدد الفاعلين في مشروع إصلاح القطاع الصحي بالمغرب يخفي ثلاثة سيناريوهات محتملة: إما أن تشخيص الأعطاب نفسه غير دقيق، أو أن هناك إشكالاً حقيقياً في تنفيذ الإصلاحات وتقييم آثارها، أو أن الأهداف المعلنة للإصلاح لا تعكس الدوافع الحقيقية الكامنة وراءه.
وفي رحلة تحليلية لتمثلات العقل المغربي تجاه إصلاح الصحة بين 2011 و2025، رصد الباحث سعيد رضواني ثلاثة تيارات فكرية رئيسية. يأتي التيار الأول داعياً للتدبير العمومي سواء عبر الدولة مباشرة أو عبر مؤسساتها المستقلة أو المؤسسات العمومية، لكنه ينقسم داخلياً بين من يطالب بتدخل مؤسساتي أكثر صرامة كالجيش والأمن، وبين من يشترط أن يظل التسيير عمومياً لكن تحت سلطة المنتخب المحلي.
أما التيار الثاني فيفضل أن يتولى القطاع الخاص مسألة التدبير، إما عبر شراكات عام-خاص أو من خلال تفويت المرافق الصحية للخواص بهدف كسر احتكار الإدارة المركزية. في المقابل، يظهر تيار ثالث لا مبالٍ يرفع شعار “الغاية تبرر الوسيلة”، حيث لا يهمه سوى تحقيق الأثر الملموس للمواطن من حيث المجانية والجودة وسهولة الولوج بغض النظر عن نموذج التدبير المعتمد.
وبالعودة إلى جذور الأزمة منذ المناظرة الوطنية الأولى للصحة عام 1959، يبرز أن الدولة تعاملت مع أزمة التمويل عبر تعميم التغطية الصحية كما هو الشأن في التوجه العالمي، لكن إشكالية إنتاج الخدمات الصحية العمومية ذات الجودة بقيت عصية على الحل. وهو ما دفع إلى طرح السؤال باستمرار حول النموذج التدبيري الأمثل.
ومن بين الحلول الثمانية التي تم طرحها، برزت رؤية تدعو إلى تدبير المستشفيات عبر شراكات عام-خاص، دافع عنها وزير الصحة الأسبق الحسين الوردي الذي رأى في فتح الاستثمار الصحي لغير الأطباء سبيلاً لإنشاء مدن طية متكاملة وخلق تنافسية تخفض الأسعار.
في الاتجاه المعاكس، مثل رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران تياراً يدعو إلى رفع الدولة يدها عن القطاعات الخدماتية كالصحة والتعليم لمحاربة التركيز الإداري المفرط. بينما يجسد وزير الصحة السابق خالد أيت الطالب النموذج الذي بدأ تطبيقه فعلياً عبر أسلوب المجموعات الصحية الترابية، مؤكداً أن هذه الإصلاحات ستعزز جاذبية القطاع العام.
وفي نموذج لافت، ظهر تيار يدعو إلى تدبير القطاع الصحي مركزياً بخلفية أمنية، تقدم به محمد رضا الطاوجني خلال تغطيته لاحتجاجات أكادير الصحية.
ولا يغيب التيار التقليدي الداعي إلى استمرار الدولة في تدبير القطاع، والذي تتبناه النقابات الصحية المدافعة عن مصالح منخرطيها. كما يطفو على السطح تيار شعبي عريض يطالب بمجانية الخدمات الصحية بغض النظر عن نمط التدبير، يعبر عن نفسه في وسائل التواصل الاجتماعي والمقاهي والاحتجاجات، وتتبناه نقابات وأحزاب معارضة وجمعيات حقوقية.





