تقرير يكشف مؤشر المغرب في خارطة المعرفة الدولية في التعليم ما قبل الجامعي تراجع المغرب إلى المرتبة 129 عالمياً

الرباط: نارمان بنمسعود

تكشف نتائج “مؤشر المعرفة العالمي 2025” عن موقع متوسط للمغرب في خارطة المعرفة الدولية، حيث حلّ في المرتبة 89 من أصل 195 دولة وبـ 35.9 نقطة من أصل 100، وهو تموقع يعكس مساراً مزدوجاً بين مؤشرات تتقدم بخطى محتشمة، وأخرى ترجع إلى الخلف بسرعة أكبر مما تسمح به الدينامية المطلوبة للتحول نحو اقتصاد المعرفة. فعلى الرغم من مكانة المغرب الإقليمية وورشاته الإصلاحية الكبرى، إلا أن حصيلته المعرفية تُظهر فجوة واضحة بين الطموح والخروج الفعلي من دائرة “البلدان المتوسطة المتعثرة”.

وعند مقارنة تموقع المغرب عربياً (الرتبة 11 من 22) ودولياً داخل مجموعات الدخل (الرتبة 10 من 50)، يتبين أن المملكة ليست في ذيل الترتيب، لكنها أيضاً بعيدة عن دائرة المنافسين الإقليميين الذين استطاعوا في العقد الأخير بناء منظومات تعليمية ورقمية وبحثية أكثر تماسكا. هذا الوضع “الوسطي” يضع المغرب أمام معادلة صعبة: فهو ليس في خانة الدول المتأخرة، لكنه أيضاً لم يلتحق بعد بمصاف الدول الصاعدة معرفياً، رغم توفره على إمكانيات بشرية ومؤسساتية كان من المفترض أن تُترجم إلى نتائج أفضل.

وتبرز المقارنة بين مكونات المؤشر أن التعليم يظل الحلقة الأضعف في سلسلة المعرفة المغربية. ففي التعليم ما قبل الجامعي، تراجع المغرب إلى المرتبة 129 عالمياً بـ48 نقطة فقط، وهي نتيجة تكشف عن ضعف عميق في التعلمات الأساسية ومخرجات التمدرس، رغم تسجيل أداء أفضل نسبياً في “بيئة التعلم”. ورغم أن البيئة المؤسسية تشهد تحسناً، إلا أن النتائج النهائية للتلاميذ لا تعكس ذلك إطلاقاً، مما يشير إلى خلل بنيوي طويل الأمد بين الموارد المعبأة والنتائج المنتظرة.

وفي التعليم العالي والتقني والمهني، يظهر التناقض نفسه بحدة أكبر؛ فالمنظومة تُسجل 77 نقطة في البيئة التعليمية، أي بنية تنظيمية وإدارية قوية نسبياً، لكنها لا تُنتج إلا 16 نقطة في مخرجات التعليم، وهي من بين الأضعف عالمياً (المرتبة 158). هذا التفاوت يوضح أن الإشكال لا يكمن في المؤسسات أو القوانين، بل في قدرة النظام الجامعي والمهني على إنتاج كفاءات قابلة للاندماج في سوق معرفة عالمية تتغير بسرعة، بينما ما زالت برامجه في أغلبها تقليدية، بعيدة عن دينامية الابتكار والاقتصاد الرقمي.

ويزداد المشهد قتامة عند الانتقال إلى البحث والتطوير والابتكار، حيث حصل المغرب على 16 نقطة فقط واحتل الرتبة 86. وفي مقارنة بسيطة مع الدول المتقدمة أو الصاعدة، التي يتجاوز إنتاجها المعرفي المتوسط العالمي بـ35%، يتضح الفرق الشاسع. فالمغرب، رغم توفره على جامعات عريقة ومراكز بحث ناشئة، ما زال عاجزاً عن خلق منظومة بحثية مستقلة، ممولة، ومتصلة بالاقتصاد، وهي حلقات ضرورية لأي انتقال فعلي نحو مجتمع المعرفة.

وفي قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، يحصل المغرب على 38 نقطة (المرتبة 83)، وهي نتيجة تضعه في مستوى “متوسط أدنى” عالمياً. هنا أيضاً تتجلى الفجوة بين الطموح والواقع: البلاد تستثمر في الرقمنة، لكن بنيتها الرقمية الأساسية—من الجيل الخامس إلى مراكز تبادل البيانات—ما تزال أضعف من أن تدعم تحولاً معرفياً واسع النطاق، على خلاف دول مثل سنغافورة أو كوريا الجنوبية التي بنت تقدمها على عمود فقري رقمي متين.

أما في الاقتصاد المعرفي فيسجل المغرب 38 نقطة (المرتبة 100)، ما يعكس صعوبة تحويل البنيات الصناعية والخدماتية نحو قطاعات ذات قيمة مضافة عالية، مثل الصناعات التكنولوجية أو المحتوى الرقمي، في وقت أضحت فيه المعرفة المحرك الأول للنمو العالمي.

ورغم هذا المشهد غير المتوازن، تكشف المقارنة أن المغرب يتميز في جانب واحد: البيئة والمجتمع والحكامة، حيث حصل على 52.3 نقطة واحتل المرتبة 70. وهذا التفوق النسبي يدل على قوة مؤسساتية واجتماعية يمكن أن تكون قاعدة صلبة لنهضة معرفية، لو تم استغلالها بالشكل المناسب. لكن هذه القوة تظل معزولة داخل مؤشر يتراجع فيه التعليم والبحث والرقمنة والابتكار، ما يجعل الإنجاز محدود الأثر.

في المقابل، تظهر الدول المتصدرة للمؤشر مثل سويسرا وسنغافورة والسويد انسجاماً بين التعليم الفعّال والبحث المتطور والبنية الرقمية القوية، ما يُثبت أن التقدم في مؤشر المعرفة لا يتحقق إلا عبر توازن المكونات الأساسية للمجتمع المعرفي. أما المغرب، فهو يعاني من “عدم تناسق” واضح بين مكونات قوية في الحكامة، وضعف كبير في التعليم والبحث والابتكار، وهو التناقض الذي يفسر بقاءه في المنطقة المتوسطة دون قدرة على الاختراق الصعودي.

تؤكد هذه المعطيات أن المغرب أمام مفترق طرق حاسم: إما الاستمرار في التقدم البطيء الذي يراكم الفجوات، أو تبني إصلاحات تعليمية ورقمية وبحثية شجاعة تعيد بناء منظومة المعرفة على أسس متماسكة. فمن دون هذا التوازن، سيظل المغرب عالقاً بين الطموح والواقع، بين بيئة مؤسساتية واعدة وقاعدة معرفية لا تزال بعيدة عن مستوى المنافسة العالمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى