سوق الجملة الجديد بالرباط… ورش جاهز تحكمه قرارات غامضة وعراقيل خفية!

الرباط: إستثمار

تتواصل قصة التعثر المزمن لمشروع سوق الجملة الجديد بالرباط، رغم ضخامته ورغم الكلفة الهائلة التي تجاوزت 60 مليار سنتيم، ورغم انتهاء جزء كبير من الأشغال حسب ما تؤكده مصادر متعددة. فالمشروع الذي كان يفترض أن يفتح أبوابه نهاية السنة الماضية، يجد نفسه اليوم في مفترق طرق جديد، بعدما برزت عراقيل إضافية قد تدفع مرة أخرى إلى تأجيل موعد تشغيله دون سقف زمني واضح. هذا التأخر لم يعد مجرد إشكال تقني أو لوجستي، بل بات يعكس تضارب مصالح وشبكات نفوذ عمرت لعقود داخل منظومة أسواق الجملة بالمغرب.

أحد أبرز أسباب التعثر يرتبط بـ”نظام الوكلاء” التقليدي، الذي يسيطر منذ سنوات طويلة على أسواق الجملة، ويستفيد من منطق “المربعات” وما يرافقه من علاقات متشابكة تحكمها أعراف قديمة أكثر مما تحكمها قواعد التدبير العصري.

المشروع الجديد يسعى إلى القطع مع هذا النموذج، والانتقال إلى طريقة تدبير حديثة تعتمد إدارة مهنية عبر شركة تنمية، على غرار ما هو معمول به في الأسواق العصرية الكبرى. غير أن هذا التحول يصطدم بمقاومة واضحة، لأن تغيير النموذج يعني تغيير موازين القوة ومصالح مترسخة، وهو ما جعل الحسم في إحداث شركة التنمية يتعثر حتى الآن، تاركاً المشروع في حالة “تعليق إداري” بين إرادة سياسية تقود نحو التحديث، وواقع مصلحي يجرّ نحو الإبقاء على الوضع القديم.

التأخر لم يبدأ اليوم. ففي المرحلة الأولى، وقع خطأ تقني كبير تمثل في إغفال إدراج منطقة لوجستيكية أساسية ضمن التصميم الأولي، قبل أن يتم تدارك ذلك لاحقاً والشروع في بنائها.

لكن الإشكال الأكثر غموضاً ظهر عندما تم نقل المشروع من موقعه الأصلي ببوقنادل نحو منطقة عكراش، بضغط مباشر من الولاية، دون تقديم تفسير للمنعطف المفاجئ في مسار مشروع بهذا الحجم. ورغم مرور سنوات على هذا القرار، ما تزال التساؤلات معلقة حول دوافعه وخلفياته.

ورغم أن الكلفة الإجمالية للمشروع بلغت 600 مليون درهم فوق مساحة تمتد لـ 25 هكتاراً، فإن مصيره ما يزال غير محسوم. فوزير الداخلية عبد الوافي لفتيت أكد أن الأشغال انتهت، بينما ينفي المجلس الجماعي للرباط توفره على أي تاريخ رسمي للافتتاح، في ظل مؤشرات قوية على توقف فعلي للأشغال في الأسابيع الأخيرة.
هذا التناقض بين معطيات السلطة المركزية والجماعة يزيد الغموض حول ما يحدث داخل هذا الورش.

ولم يتوقف الأمر عند العراقيل الإدارية والسياسية، إذ برزت أيضاً إشكالات مرتبطة بالموقع نفسه. فاختيار منطقة عكراش خلق نقطة سوداء مرورية معقدة، خاصة بالنسبة للشاحنات القادمة من تمارة وسلا عبر الطريق السيار أو منطقة التكنوبوليس. هذا الاختناق المروري دفع السلطات إلى البحث عن شبكة طرقية بديلة لتخفيف الضغط، ما أضاف طبقة جديدة من التعقيد وسبب تأخراً إضافياً في استكمال المشروع.

اليوم، يبدو أن سوق الجملة الجديد بالرباط يعيش بين جاهزية تقنية، وغموض إداري، وصراع نماذج تدبير، وموقع لم يُحسب جيداً، وضغط شبكات مصالح لا ترغب في التغيير. وبين كل هذه العوامل، يظل السؤال معلقاً: هل سنشهد افتتاح هذا المشروع قريباً، أم سيبقى نموذجاً آخر لمشاريع كبرى توقفت عند باب النفوذ والمصالح؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى