تصاميم التهيئة الجديدة تُشعل سباق المضاربات حول الأراضي الفلاحية بالمدن الكبرى

الرباط: إدريس بنمسعود

في سياق تتسارع فيه الاستعدادات لتجديد تصاميم التهيئة بعد مرور أكثر من عقد على اعتماد النُسخ السابقة، تشهد ضواحي كبريات المدن المغربية – وفي مقدمتها الدار البيضاء، مراكش، وطنجة – موجة غير مسبوقة من المضاربات العقارية. مضاربون ومنعشون عقاريون ومجزئون كبار يسابقون الزمن لاقتناص أراضٍ فلاحية قبل إدماجها في التنطيق السكني المتوقع، مستفيدين من تسريبات غير رسمية حول التوجهات الكبرى لتصاميم التهيئة الجديدة.

سباق صامت ومضاربات صاخبة

بحسب مصادر مطلعة فإن هذه التحركات تجري في غموض شبه تام، إذ يُعتمد في غالب الأحيان على وسطاء لاقتناء الأراضي، مع اللجوء إلى الدفع “الكاش” لتفادي المسارات البنكية والتتبع الرسمي، في ممارسات تثير القلق من تغلغل رؤوس أموال غير خاضعة للرقابة في دورة الاستثمار العقاري. وتؤكد نفس المصادر أن بعض هذه العمليات يقف وراءها منتخبون محليون ورؤساء جماعات، ممن راكموا معرفة دقيقة بآليات الاشتغال الداخلي في إعداد التصاميم، ليحوّلوها إلى أداة لخلق الثروة الخاصة بدل تحقيق التنمية المجالية.

من الفلاحة إلى الفيلات: طفرة سعرية تُربك السوق

شهدت أراضٍ فلاحية كانت تُعرض بأسعار لا تتجاوز 500 درهم للمتر المربع قفزات دراماتيكية، لتبلغ في بعض الحالات أزيد من 3000 درهم، خصوصًا في مقاطعة عين الشق التي تعد واحدة من أكثر المناطق طلبًا داخل الدار البيضاء. هذه القفزات تعكس ليس فقط التحول المنتظر في وظيفة الأرض، بل أيضًا هشاشة آليات الضبط والشفافية في المساطر التعميرية، وسط اتهامات بتفويتات مشبوهة وتيسير غير مفهوم للرخص.

اختلالات في التخطيط تثير القلق

مع تجاوز عدد التعرضات المقدمة من المواطنين في الدار البيضاء وحدها حاجز 500 اعتراض رسمي، تتعالى الأصوات المطالبة بمراجعة عميقة لطريقة إعداد تصاميم التهيئة. تنسيقيات المجتمع المدني ومنتخبون طالبوا الوكالات الحضرية بإعمال مبدأ العدالة العقارية، عبر التوزيع المنصف للمرافق العمومية، والاحتفاظ بالأحزمة الخضراء، وعدم التضحية بها تحت ضغط جشع البناء والتوسع العمراني.

التهيئة الحضرية بين الرؤية التشاركية والاحتكار التقني

في غياب مقاربة تشاركية حقيقية تبقى العديد من الجماعات الترابية خارج دائرة القرار ويقتصر دورها على إبداء رأي شكلي في نهاية المسار. هذا الإقصاء يعمق الفجوة بين ما يُقرره خبراء الوكالات الحضرية، وما ينتظره السكان من حماية لمكتسباتهم العقارية والمجالية. كما أن اعتماد منطق “التحيين العاجل” بدل التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد يجعل تصاميم التهيئة عرضة لمساومات ظرفية بدل أن تكون أدوات لتوجيه التنمية وتحقيق التوازنات الحضرية.

نحو سياسة عقارية أكثر عدالة وشفافية

ما يجري حاليًا في تخوم المدن الكبرى ليس فقط سباقًا على الأراضي، بل مؤشر على أزمة في الحكامة العقارية. وإذا لم تُعالج هذه الدينامية المضطربة بقواعد واضحة وشفافة، فإن نتائجها ستتجاوز المضاربات إلى تشويه كامل للبنية العمرانية، وضرب لمبادئ الاستدامة والتخطيط العادل.

في هذا السياق تبرز الحاجة إلى إصلاح جذري في منظومة إعداد تصاميم التهيئة يُعلي من منطق التشاركية، ويفرض الشفافية، ويقطع مع منطق الامتيازات والمعلومة المسربة. لأن مستقبل المدن لا يُرسم في الصفقات المغلقة، بل في النقاش العمومي المفتوح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى