Adds
أخبار

من مطارح العار إلى اقتصاد التثمين: هل ينجح المغرب في تدوير نفاياته بدل دفنها؟”

الرباط: إدريس بنمسعود

رغم تعاقب البرامج وتعدد الشعارات، ما يزال تدبير النفايات في المغرب يراوح مكانه بين منطق “الطمر السهل” ووعود “التثمين الذكي”، في مشهد بيئي يطرح تحديات تنموية ومجالية عميقة. ومع إطلاق البرنامج الوطني لتثمين النفايات المنزلية (PNVDM) للفترة 2023-2034، تعلن وزارة الداخلية عن تحوّل استراتيجي جديد يروم القطع مع السياسات الترقيعية، وتحقيق قفزة نوعية في إعادة تدوير النفايات وخلق قيمة مضافة منها.

بين الطموح البيئي والواقع العضوي

المعطيات التي كشفها وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، في جوابه البرلماني، تضع الأصبع على جرح بنيوي: 70% من نفايات المدن المغربية رطبة و60% منها عضوية، وهي تركيبة تجعل من “التدوير” و”الفرز” عمليتين شبه معطلتين في غياب منظومة متكاملة، تقنيا ومجتمعيا.

فكيف يمكن الحديث عن تثمين نفايات لا تُفرز من المصدر؟ وكيف يمكن تشجيع التدوير في ظل معدل وطني للفرز لا يتجاوز 7%؟

ميزانية طموحة.. لكن من المستفيد؟

البرنامج المرصود له غلاف مالي يتجاوز 21 مليار درهم، بمساهمة سنوية من وزارة الداخلية (450 مليون درهم) وصندوق التطهير (400 مليون درهم)، يسعى إلى إعادة تأهيل المطارح، تطوير آليات الجمع، وإرساء منطق الفرز والتثمين. غير أن التجربة المغربية السابقة مع برامج مماثلة تُلزمنا بالحذر: هل ستُصرف الميزانيات في مشاريع مؤقتة أم في بناء منظومة دائمة قائمة على الحوكمة والمساءلة؟

من “النظافة” إلى “الاقتصاد الأخضر”

يحاول البرنامج كسر الحلقة المفرغة عبر تحويل النفايات إلى مصدر للثروة وفرص الشغل، من خلال إشراك المقاولات الصغرى والمتوسطة، وخلق دينامية اقتصادية حول التدوير والتثمين. لكن دون مواكبة جادة للجماعات الترابية، التي تعاني غالبا من ضعف الإمكانيات وقصور في التأهيل، قد يبقى هذا المسار مجرد أمنية تنموية مؤجلة.

مطارح مغلقة أم جماعات مغلولة؟

الهدف المعلن بـ”إغلاق كل المطارح العشوائية بحلول 2034″ يعكس نية صادقة لإعادة ترسيم خريطة تدبير النفايات، لكن نجاح هذا المسار يظل رهينا بأمرين حاسمين:

1. إصلاح العلاقة بين الدولة والجماعات، عبر نقل الكفاءات دون التخلي عن الدعم التقني والمالي.

2. القطع مع اقتصاد الريع والنفايات، الذي ما يزال يتحكم في مفاصل بعض الصفقات العمومية المرتبطة بالتدبير المفوض.

نحو تحول بيئي حقيقي أم تجميل رقمي للمؤشرات؟

الانتقال من الطمر إلى التثمين ليس مجرد تقنية أو ميزانية، بل تحول ثقافي واقتصادي واجتماعي، يتطلب إشراك المواطن، تحفيز الاقتصاد الدائري، وتشجيع الابتكار في مجال إعادة التدوير. فهل يستطيع البرنامج الجديد كسر منطق “الدفن” وإرساء منطق “التحويل”؟ أم سنعود بعد سنوات لمراكمة المطارح… تحت مسميات جديدة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى