
خدمات سياحية متدنية وتقييمات بملايين الدراهم.. هل تسوّق الوزارة الوهم؟”
الرباط: إدريس بنمسعود
في خضم تصاعد شكاوى الزوار والمواطنين من تدهور جودة الخدمات داخل العديد من مؤسسات الإيواء السياحي، خاصة في فترات الذروة والعطل، خرجت وزارة السياحة، عبر ذراعها التقني “الشركة المغربية للهندسة السياحية”، لتعلن عن إطلاق صفقات تقييم جديدة تستهدف جودة هذه الخدمات. لكن ما أثار الجدل هذه المرة ليس فقط الغاية من التقييم، بل الكلفة الباهظة التي ستتحملها خزينة الدولة.
فبينما يعاني السياح، مغاربة وأجانب، من أسعار ملتهبة لا تقابلها خدمات ترقى إلى المستوى المأمول، خصصت الوزارة ميزانيات ضخمة لتقييم هذه المؤسسات. إذ تبلغ كلفة دراسة تقييم جودة الخدمات في فنادق خمس نجوم نحو 48.4 مليون درهم، أي ما يناهز 4.8 مليار سنتيم، بينما تصل تكلفة تقييم مؤسسات الأربع نجوم بجهة مراكش-آسفي إلى 50.35 مليون درهم، أي أكثر من 5 مليارات سنتيم، دون أن تشمل باقي الجهات.
أما التقييم الشامل لفئة الأربع نجوم عبر التراب الوطني فحدد في 28.88 مليون درهم، مقابل 20.35 مليون درهم لتقييم مؤسسات الثلاث نجوم. هذا يعني أن الدولة على استعداد لصرف ما يقارب 150 مليون درهم فقط من أجل معرفة مدى جودة ما تقدمه هذه المؤسسات.
لكن المفارقة الصارخة هنا تكمن في أن هذه التقييمات نفسها ستكون موكولة إلى شركات خارجية، ستلجأ إلى استخدام ما يعرف بـ”الزبون السري” لتنفيذ 1367 زيارة تقييمية، تُتوَّج بإعداد 4 تقارير نهائية.
هذا النموذج من التقييم، وإن كان معمولا به في دول عدة، يطرح أكثر من علامة استفهام في السياق المغربي:
هل الدولة في حاجة إلى هذا الحجم من الإنفاق لتكتشف ما يعيشه المواطن والسائح يومياً من سوء الخدمة؟
لماذا لا يتم توجيه هذه الميزانيات نحو تحسين قدرات الأطر السياحية أو تأهيل البنية التحتية الفندقية؟
وهل يمكن تقييم منظومة خدمات مختلة أصلاً من دون إصلاح القوانين الزجرية والرقابة المستمرة؟
من جهة أخرى، تشير هذه الخطوة إلى محاولة الوزارة إضفاء طابع تقني على مشكل جوهره غياب الرقابة الصارمة، واستفحال منطق الربح السريع لدى العديد من المؤسسات السياحية، التي تُركت لعقود تشتغل بمنأى عن المحاسبة.
فبدلاً من ضخ الأموال في دراسات وتشخيصات تتكرر دون أثر فعلي، قد يكون الأجدى توجيه جزء من هذا التمويل إلى خلق وحدات رقابية دائمة، وتمكين الزبناء من آليات التبليغ والتقييم العمومي، وتحفيز المنافسة الشريفة عبر تصنيفات شفافة تُنشر علنًا وتُربط بالتحفيز أو العقوبات.
في النهاية، قد يكون السؤال الأبرز اليوم: من يقيم من؟ وهل التقييم بميزانيات خيالية كافٍ لإصلاح أعطاب قطاع يئن تحت وطأة الجشع وقصور التخطيط؟