الاقتصاد الوطني بين تحديات المحيط الدولي وآفاق النمو لسنتي 2025 و2026

الرباط: إستثمار

مع توالي التوترات التجارية وتصاعد السياسات الحمائية في الاقتصاد العالمي، تشير التوقعات الرسمية إلى تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي على الصعيد الدولي خلال 2025 و2026، وسط تراجع أسعار المواد الأولية وركود المبادلات التجارية.

هذه التطورات تنعكس مباشرة على البلدان الناشئة والنامية وفي مقدمتها المغرب، الذي يواجه مجموعة من التحديات لكنه يسعى في نفس الوقت إلى استثمار فرص جديدة.
المحيط الدولي: تراجع النمو ومخاطر متزايدة

أفادت المندوبية السامية للتخطيط، أنه وفقاً للتقارير الصادرة في يوليوز 2025، من المنتظر ألا تتجاوز وتيرة النمو الاقتصادي العالمي 2,3% سنة 2025 و2,4% سنة 2026، وهو مستوى دون المتوسط المسجل خلال السنوات الأخيرة. هذا التباطؤ مرتبط بتقلص هوامش السياسات الحكومية، وتزايد التوترات بين القوى الكبرى وتداعياتها على التجارة الدولية.

وأضاف المصدر ذاته أنه في الولايات المتحدة الأمريكية، سينخفض النمو إلى حوالي 1,4% سنة 2025، وسط تصاعد الرسوم الجمركية وعجز عمومي متزايد، بينما لن تتعدى معدلات النمو في منطقة اليورو 1%. أما الهند، فستواصل تحقيق معدلات نمو قوية في حدود 6,4%، مقابل تراجع متوقع للاقتصاد الصيني والروسي والبرازيلي.

وابرزت المندوبية أن تراجع أسعار النفط والغاز وعدد من المواد الفلاحية تلوح في الأفق نتيجة ضعف الطلب العالمي، ما سيرخي بظلاله على التوازنات المالية للبلدان المصدرة ويخلق فرص تخفيض كلفة الاستيراد للدول غير المنتجة.

الاقتصاد الوطني المغربي: استمرار الدينامية رغم الصعوبات
رغم ضبابية المشهد الدولي، ذكرت المندوبية أنه يتوقع أن يواصل الاقتصاد المغربي أداءه الإيجابي، بدعم من انتعاش القطاع الفلاحي وتدعيم الأنشطة الصناعية والخدماتية. وبعد معدل نمو بلغ 3,8% سنة 2024، يتوقع أن ترتفع وتيرة النمو إلى 4,4% سنة 2025 و4% سنة 2026.

هذا التفاؤل النسبي حسب المندوبية السامية للتخطيط، مرتبط أساساً بتحسن الإنتاج الفلاحي، حيث ساهمت التساقطات الهامة في الموسم الفلاحي السابق في رفع إنتاج الحبوب إلى 44 مليون قنطار بزيادة 41% عن السنة الماضية، بالإضافة إلى دعم المراعي وتدخلات لحماية القطيع الوطني. كما يستفيد قطاع الصيد البحري من جهود تطوير الثروة البحرية وزيادة الطلب الخارجي.

في موازاة ذلك تبرز القطاعات غير الفلاحية كقاطرة أساسية للنمو، حيث ستعرف الصناعات التحويلية خاصة الكيماويات والصناعات الغذائية والصناعات الاستخراجية انتعاشاً ملحوظاً.

ودفع الاستثمارات الضخمة في مشاريع البنية التحتية، لاسيما المرتبطة بالتحضير لكأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، إلى تعزيز قطاع البناء والأشغال العمومية. أما قطاع الخدمات، وخاصة السياحة والنقل والفندقة، فسيستفيد من الأحداث الكبرى وتزايد عدد السياح.

منظور استشرافي وتحديات قائمة
رغم هذه المؤشرات الإيجابية، يظل الاقتصاد الوطني حسب تحليل المندوبية السامية للتخطيط، معرضاً لتقلبات الأسواق الدولية وتباطؤ الطلب الخارجي وتفاقم العجز التجاري مع زيادة واردات المواد والسلع. كما تفرض الاختلالات الهيكلية لبعض القطاعات الصناعية وتعقد سلاسل التوريد العالمية ضغوطاً مستمرة على تنافسية الاقتصاد المغربي.

وتحتم المرحلة المقبلة ترسيخ الإصلاحات وتعزيز الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال، مع مواصلة السياسات الاجتماعية الرامية إلى دعم دخل الأسر وتوجيه الموارد نحو التحول الصناعي والمقاولة الوطنية.

وأكدت المندوبية في تحليلها أنه في ظل الأفق الدولي الملبد بالمخاطر، يواجه المغرب تحديات جساماً تقتضي تضافر الجهود لتعزيز مناعة الاقتصاد الوطني وتحويل الأزمات العالمية إلى فرص حقيقية للنمو المستدام وتحقيق التنمية الشاملة. ويسعى الفاعلون الحكوميون والاقتصاديون إلى الحفاظ على دينامية الاقتصاد ومواصلة الإصلاحات، مدعومين بتحسن المؤشرات القطاعية ومراهنة دائمة على تنافسية العرض المغربي في الأسواق الدولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى