وزارة الداخلية تفتح “صندوق التنفيذ القضائي” وتضع رؤساء الجماعات تحت المجهر!

الرباط: نارمان بنمسعود

تسير وزارة الداخلية بخطى حازمة نحو إعادة الانضباط إلى بيت الجماعات الترابية، بعد أن تحوّلت بعض الملفات القضائية العالقة إلى مؤشر مقلق على ضعف الحكامة وتهاون المسؤولين المحليين في صون مصالح مؤسساتهم.

فالتوجيهات الصادرة مؤخراً عن المديرية العامة للجماعات الترابية، والتي طالت عدداً من رؤساء الجماعات في جهات الدار البيضاء–سطات والرباط–سلا–القنيطرة، ليست مجرد مراسلات إدارية عابرة، بل رسالة سياسية وإدارية مشفّرة تؤكد أن زمن التساهل مع “الإفلات الإداري” قد ولّى.

التحرك الجديد للداخلية يأتي في سياق تراكم غير مسبوق للأحكام القضائية الصادرة ضد جماعات محلية، بعضها ظل حبيس الرفوف لسنوات بسبب غياب التنفيذ أو تعمد عرقلته.

هذا الوضع، الذي وصفته مصادر من داخل الوزارة بـ“المقلق”، يعكس خللاً مزدوجاً: خللاً في تدبير المنازعات على مستوى الجماعات، وخللاً في مراقبة أعمالها من طرف سلطة الوصاية.

إن إحداث خلية خاصة لتتبع تنفيذ الأحكام القضائية خطوة تعكس تحوّلاً في فلسفة الرقابة، من رقابة شكلية إلى رقابة ميدانية مبنية على النتائج.
لكن الأهم هو ما كشفت عنه التقارير الأولية من مؤشرات “ابتزاز”

و“مساومة” عند التنفيذ الودي للأحكام، وهو ما يضع بعض رؤساء الجماعات أمام مساءلة قانونية وأخلاقية خطيرة، تتجاوز حدود التقصير الإداري إلى شبهات الفساد واستغلال النفوذ.

من الناحية القانونية، تنص المادة 263 من القانون التنظيمي للجماعات على مسؤولية الرئيس في الدفاع عن مصالح جماعته أمام القضاء، دون الحاجة إلى مداولات المجلس. غير أن التطبيق الواقعي أظهر تهاوناً واضحاً في هذا الدور، حيث تُترك ملفات النزاع تتفاقم حتى صدور أحكام قاسية، في غياب مبادرات استباقية للتسوية أو الدفاع الجاد عن حقوق الجماعة.

الداخلية، إذ تحركت بهذا الشكل الصارم، تدق ناقوس الخطر بخصوص ظاهرة “اللامبالاة القانونية” التي تستنزف موارد الجماعات وتضرّ بمصداقية المنتخبين.

فحين تُدان جماعة بتعويضات مالية ضخمة نتيجة قرارات ارتجالية أو مخالفات في التعمير، فإن المتضرر الحقيقي هو المواطن، الذي يدفع ثمن سوء التدبير من ميزانية جماعته.

الرسالة الأعمق في هذا التحرك الوزاري أن الدولة لم تعد تقبل بترسيخ ثقافة “الاستثناء المحلي”، حيث يُفلت بعض الرؤساء من المحاسبة بذريعة التعقيد الإداري أو ضعف الموارد. فالمساءلة القانونية والإدارية باتت واجباً مؤسسياً لا خياراً سياسياً.

وفي المقابل، يطرح هذا الملف سؤالاً محورياً حول ضعف آليات المواكبة القانونية للجماعات، خاصة الجماعات القروية التي تفتقر إلى أطر مؤهلة في التتبع القضائي. فالإصلاح الحقيقي لا يمر فقط عبر الزجر، بل عبر تأهيل إداري وهيكلي يحول دون تكرار الأخطاء التي أنتجت هذا الوضع.

إن الحملة التي أطلقتها وزارة الداخلية تمثل منعطفاً في مسار تعزيز الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة داخل المؤسسات المنتخبة.

لكن نجاحها يظل رهيناً بقدرتها على الجمع بين المحاسبة الصارمة والمواكبة الفعلية، حتى لا يتحول الإصلاح إلى مجرد موجة عابرة تترك خلفها نفس الأعطاب البنيوية التي تنخر تدبير الشأن المحلي منذ سنوات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى