بين “فراقشية الأغنام” و“فراقشية الدواء”.. أسئلة ثقيلة تلاحق حكومة أخنوش

الرباط: إدريس بنمسعود

تعيش حكومة عزيز أخنوش منذ أشهر على وقع توترات سياسية وإعلامية متصاعدة، بفعل تكرار الحديث عن شبهات “الاحتكار” و“تضارب المصالح”، سواء في ملف الأسواق الاستهلاكية مثل اللحوم، أو في سلاسل توزيع الأدوية. وبينما ينفي المسؤولون أي اختلالات ممنهجة، تتزايد الأسئلة حول قدرة الحكومة على الفصل بين السلطة الاقتصادية التي يمتلكها بعض الفاعلين والنفوذ السياسي الذي يملكونه داخل مؤسسات القرار.

“فراقشية الأغنام”.. أزمة الغذاء أم أزمة ثقة؟

منذ ارتفاع أسعار اللحوم خلال العامين الماضيين، ظهر تعبير “فراقشية الأغنام” ليصف ـ بشكل شعبي وساخر ـ الوسطاء الذين يتحكمون في مسارات بيع المواشي. ورغم أن الحكومة عزت الأزمة إلى عوامل خارجية مرتبطة بالجفاف وارتفاع تكاليف الإنتاج، إلا أن جزءًا واسعًا من الرأي العام يرى أن غياب ضبط حقيقي للسوق ساهم في تضخيم الأزمة.

الانتقادات الموجهة للحكومة لا تتعلق فقط بالغلاء، بل بـ غياب الشفافية في المراقبة، وتباطؤ تفعيل آليات حماية المنافسة، وترك السوق رهينة شبكات وسطاء تتمتع بنفوذ قوي داخل حلقات الإنتاج والتوزيع. وهنا يظهر السؤال المركزي: هل كان ممكناً التخفيف من حدة الارتفاع لو تمت محاصرة الاحتكار مبكراً؟

“فراقشية الدواء”.. قطاع استراتيجي بجيوب مغلقة

الملف الأكثر حساسية يرتبط بـ الأدوية، حيث يتحدث فاعلون سياسيون ونقابيون عن “فراقشية الدواء” في إشارة إلى قوى تتحكم في سوق يعتبر من أكثر القطاعات حساسية اجتماعياً. ورغم غياب اتهامات رسمية أو أحكام قضائية، فإن النقاش العام يتمحور حول:

تفاوت كبير في أسعار أدوية أساسية مقارنة بدول مماثلة.

استمرار نفوذ شبكات الكوزمتيك وتوزيع الأدوية داخل منظومة غير شفافة.

تساؤلات حول تضارب المصالح بالنظر لوجود مسؤولين حكوميين لهم ارتباطات سابقة بقطاع الصحة أو الصناعة.

الحكومة اعتبرت أن هذه الاتهامات “مبالغ فيها” وأن القطاع يخضع لقوانين واضحة، غير أن المعطيات المتداولة عن حالات احتكار محدودة في التوزيع تضعها أمام مطلب ملحّ: إصلاح جذري يقطع مع اقتصاد الريع داخل سلسلة الدواء.

أخنوش تحت الضغط: خطاب الثقة أم خطاب الإنكار؟

إحدى الإشكاليات التي ترفع من منسوب التوتر هي ضعف التواصل الحكومي. فبدلاً من تقديم معطيات دقيقة حول ما يجري، تلجأ الحكومة أحياناً إلى خطاب “الطمأنة العامة” دون كشف التفاصيل، ما يعزز شعوراً بالريبة. وفي سياق يتسم بالغليان الاجتماعي وعودة التضخم، يصبح هذا الأسلوب مكلفاً سياسياً.

كما أن الصور الذهنية المرتبطة بالمصالح الاقتصادية لرئيس الحكومة ـ حتى وإن كانت قانونية ـ تخلق حالة من الشك المستمر، لأن الرأي العام يجد صعوبة في الفصل بين رجل الأعمال ورئيس السلطة التنفيذية.

من مسؤولية الأخطاء إلى مسؤولية الإصلاح

الحكومة ليست المتسبب الوحيد في الاختلالات البنيوية، فجزء كبير منها راكمته سنوات من السياسات غير المتوازنة. لكن مسؤوليتها تكمن اليوم في التصدي الفوري والجريء لها. وأبرز ما ينتظره المواطنون هو:

تحريك مجلس المنافسة بفعالية أكبر.

سنّ قواعد صارمة حول تضارب المصالح.

رفع السرية عن معطيات سلاسل التوريد.

مواجهة لوبيات القطاعات الحساسة دون حسابات سياسية.

فالانتقادات اليوم لا تستهدف الحكومة لأنها ارتكبت “الخطأ”، بل لأنها لم تتحرك بالسرعة الكافية لمعالجته.

بين “فراقشية الأغنام” و“فراقشية الدواء”، تتشكل صورة حكومة تواجه امتحان المصداقية أكثر مما تواجه امتحان التدبير. فالرأي العام لم يعد يكتفي بتبريرات تقنية، بل يطالب بإجراءات ملموسة تفك الارتباط بين المصالح الاقتصادية ومراكز القرار.

وفي بلد يتجه نحو نموذج تنموي جديد، يبقى رهان القضاء على الاحتكار والريع ليس مجرد مطلب اقتصادي، بل ضمانة سياسية لاستعادة الثقة في زمن تتسع فيه فجوة الشك يومًا بعد آخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى