الذكاء الإصطناعي في قلب التحول المغربي: التكوين مفتاح الريادة التكنولوجية

الرباط: إستثمار

في سياق التحولات التكنولوجية المتسارعة التي يعرفها العالم، شكّل الذكاء الاصطناعي محور نقاشات الجلسة العامة الأولى للمناظرة الوطنية حول الذكاء الاصطناعي، المنعقدة يوم الثلاثاء بمدينة سلا، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. وقد أجمع الوزراء المشاركون على أن التكوين يمثل الركيزة الأساسية لتمكين الفاعلين العموميين والخواص من الاستفادة الكاملة من الإمكانات التي تتيحها هذه التكنولوجيا الواعدة، والتي باتت تشكل عنصرًا جوهريًا في معادلة التنافسية والنمو.

الذكاء الاصطناعي، وفق ما تم التأكيد عليه، لم يعد مجرد أداة تكنولوجية، بل أضحى قوة تحويلية تؤثر في صميم المجتمعات، وتعيد تشكيل نماذج العمل والاقتصاد. ومن هذا المنطلق، لم يعد التكوين خيارًا ثانويا، بل شرطًا أساسيا لمواكبة هذا التحول وجعل المغرب في موقع المتفاعل لا المتفرج.

وفي هذا السياق، أكد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، على الأدوار المتعددة التي يمكن أن يضطلع بها الذكاء الاصطناعي في تحسين أداء المنظومة التربوية، لا سيما من خلال معالجة المعطيات المتعلقة بالتلاميذ والمدرسين، وتكييف المناهج الدراسية مع قدرات كل متعلم، وتوفير أدوات دقيقة لتتبع التعلم، والتقليص من ظاهرة الانقطاع عن الدراسة. كما شدد على أن رقمنة المدرسة العمومية متواصلة بوتيرة متسارعة، وهو ما يفتح آفاقًا واسعة لتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تعزيز جودة التمدرس وتحديث أساليب التدريس.

من جهته، اعتبر وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يونس السكوري، أن الذكاء الاصطناعي يمثل عاملاً محوريًا في إعادة تشكيل سوق الشغل، من خلال تحسين الأداء والإنتاجية داخل المقاولات، وتحقيق توازن أكثر فعالية بين المهارات المتاحة واحتياجات الاقتصاد. كما أبرز أهمية مواكبة هذه التحولات بإطار قانوني ملائم قادر على احتضان الدينامية الجديدة دون كبح تطورها.

أما وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، فقد نبهت إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يوجد أو يتطور بدون طاقة، مذكرة بأن المغرب يطمح إلى مضاعفة قدراته في مجال الطاقة المتجددة في أقل من خمس سنوات، وهو إنجاز يعادل ما تحقق في العقود الثلاثة الماضية. وأشارت إلى أن الدول التي تمتلك موارد بشرية مؤهلة وطاقة نظيفة منخفضة الكربون، كالمغرب، تملك مؤهلات قوية لتصبح أقطابًا تكنولوجية دولية.

رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، شكيب العلج، من جهته، دعا إلى تسريع تنفيذ الاستراتيجية الوطنية في مجال الذكاء الاصطناعي، معتبرًا أن التحدي الحقيقي لا يكمن في صياغة الرؤية، بل في قدرتنا على التنزيل الميداني. وأشاد بتجربة مدرسة البرمجة 1337 التي أثبتت فعالية في تكوين كفاءات شابة قادرة على مواكبة الثورة الرقمية، مؤكداً أن تعميم هذا النوع من النماذج سيساهم في تقليص البطالة وتعزيز تموقع المغرب في الاقتصاد العالمي الجديد.

تعكس هذه النقاشات الوعي العميق لدى مختلف الفاعلين بأهمية الذكاء الاصطناعي كأداة استراتيجية لإعادة هندسة الاقتصاد والمجتمع. وإذا كانت البنية التحتية والموارد الطبيعية والرقمية تشكل عناصر حيوية، فإن التكوين سيبقى، دون منازع، العامل الحاسم في ترجمة الطموحات إلى إنجازات ملموسة، وفي جعل المغرب فاعلاً مؤثراً في مستقبل الذكاء الاصطناعي عالمياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى