
تقرير…..”المشهد المتغير للمراكز المالية الإفريقية: بين التحديات البنيوية والصعود العالمي”
الرباط: إستثمار
في النسخة السابعة والثلاثين من مؤشر المراكز المالية العالمية، تم تقييم 120 مركزًا ماليًا حول العالم، حيث برزت سبعة مراكز إفريقية ضمن التصنيف. ورغم أن نيويورك ولندن لا تزالان في الصدارة، فإن المراكز الإفريقية أظهرت تطورًا متباينًا؛ إذ حققت بعض المدن تقدمًا ملموسًا، بينما تكافح أخرى للحفاظ على جاذبيتها وسط تحديات اقتصادية وهيكلية.
يعتمد التصنيف على تقييمات نوعية من خبراء الصناعة ومعطيات كمية، حيث تم جمع أكثر من 31,000 تقييم من قرابة 5,000 خبير دولي، تغطي خمسة مجالات رئيسية: البيئة التنظيمية، البنية التحتية الاقتصادية، الاستقرار المالي، الاتصال الدولي، ورأس المال البشري. ويتم دمج هذه التقييمات مع 156 مؤشرًا خارجيًا، مما يساعد في تعديل التصورات وفقًا للتطورات الأخيرة في السوق.
وتكشف البيانات أن مراكز مثل الدار البيضاء وموريشيوس تواصل تعزيز مكانتها رغم التحديات، مستفيدةً من تحسينات تنظيمية واستراتيجيات جذب استثماري. في المقابل، تواجه مدن مثل جوهانسبرغ ولاغوس ضغوطًا تنظيمية واقتصادية تعيق نموها.
هذا التقرير يستعرض أداء أبرز المراكز المالية الإفريقية، نقاط قوتها وضعفها، وتأثير التحديات الجيوسياسية والتكنولوجية على مسارها المستقبلي.
المراكز المالية الإفريقية: بين الصعود والتحديات
الدار البيضاء: مركز مالي متنامٍ وسط منافسة إقليمية
حافظت الدار البيضاء على ريادتها كأهم مركز مالي في إفريقيا، حيث احتلت المرتبة 56 عالميًا متقدمةً بدرجة واحدة مقارنة بالتصنيف السابق. يعزى هذا التقدم إلى الاستراتيجية المالية المتكاملة التي يمثلها القطب المالي للدار البيضاء، والذي يعد حلقة وصل بين الأسواق الإفريقية والأوروبية. لكن المدينة تواجه تحديات جيوسياسية وضغوطًا تنافسية متزايدة من مراكز مالية ناشئة مثل نيروبي، التي تستفيد من النمو السريع لقطاع التكنولوجيا المالية.
موريشيوس: جسر للاستثمارات الدولية
صعدت موريشيوس إلى المرتبة 58 عالميًا، مستفيدةً من بيئة تنظيمية جاذبة للاستثمارات وصناديق الاستثمار الإفريقية. ومع ذلك، تواجه الجزيرة ضغوطًا من الإصلاحات الضريبية العالمية والمنافسة المتزايدة من دبي، ما يدفعها للتركيز على التمويل الأخضر والتكنولوجيا المالية لتعزيز مكانتها.
كيغالي: مركز تكنولوجي واعد رغم محدودية السوق
رغم تراجعها خمسة مراكز لتصل إلى المرتبة 72 عالميًا، تواصل كيغالي تعزيز مكانتها كمركز مالي رقمي، مستفيدةً من الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية والتشريعات المرنة التي تشجع ريادة الأعمال. ومع ذلك، يبقى حجم اقتصاد رواندا الصغير واعتمادها الكبير على التمويل الخارجي عقبات أمام تحقيق قفزة نوعية في التصنيف العالمي.
كيب تاون وجوهانسبرغ: إمكانات عالية تعرقلها التحديات الداخلية
تجسد كيب تاون وجوهانسبرغ التناقضات في النظام المالي لجنوب إفريقيا، حيث تمتلك البلاد قطاعًا ماليًا متقدمًا، لكنه يعاني من انقطاعات الكهرباء، والجريمة، وعدم الاستقرار السياسي. بينما تحافظ كيب تاون على مركزها الرابع إفريقيًا، تعاني جوهانسبرغ من تراجع ملحوظ في التصنيف، ما يسلط الضوء على الحاجة إلى إصلاحات هيكلية لتعزيز ثقة المستثمرين.
نيروبي: الثورة الرقمية كعامل جذب مالي
احتلت نيروبي المرتبة 100 عالميًا، مستفيدةً من دورها الريادي في قطاع التكنولوجيا المالية، الذي تمثله شركات مثل “M-Pesa”. لكن رغم هذا التقدم، تواجه المدينة صعوبة في جذب رؤوس الأموال الدولية بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل والمنافسة من مراكز أخرى مثل كيغالي.
لاغوس: إمكانات ضخمة تعيقها التحديات التنظيمية
تراجعت لاغوس إلى المرتبة 105 عالميًا، حيث تعاني من عدم استقرار السياسات المالية وضعف البنية التحتية. ورغم كونها أحد أهم المراكز الاقتصادية في إفريقيا، فإنها لم تتمكن بعد من تحقيق تكامل مالي يواكب طموحاتها الاقتصادية.
نظرة مستقبلية: إفريقيا بين التقدم والتحديات
يبرز تصنيف مؤشر المراكز المالية العالمية صورة مزدوجة للمشهد المالي الإفريقي، حيث تحقق بعض المدن تقدمًا بفضل استراتيجيات جذب الاستثمارات، بينما تواجه أخرى تحديات بنيوية تؤثر على تنافسيتها. مع استمرار التطورات التكنولوجية والتغيرات في السياسات المالية العالمية، سيكون المستقبل مرهونًا بقدرة هذه المراكز على التكيف مع التحولات الاقتصادية وتعزيز بيئاتها الاستثمارية لضمان مكانة أقوى على الساحة المالية العالمية.