مجلس المنافسة يحقق في ممارسات احتكارية بسوق توصيل الوجبات الرقمية

الرباط: حكيمة أحاجو

في خطوة تعكس يقظة المؤسسات الرقابية في مواكبة التحولات السريعة التي يعرفها الاقتصاد الرقمي، أعلن مجلس المنافسة عن فتح تحقيق رسمي في شبهة ممارسات منافية لقواعد المنافسة من طرف شركة تنشط في سوق المنصات الرقمية لطلب وتوصيل الوجبات، وذلك على المستويين الوطني والمحلي.

ويأتي هذا القرار في إطار الاختصاصات الدستورية والتنظيمية المخولة للمجلس، بموجب القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، والقانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة، كما تم تغييره وتتميمه. وقد تم اتخاذ المبادرة بتاريخ 19 فبراير 2024 بعد ورود معطيات تفيد بوجود مؤشرات لممارسات تجارية مشبوهة.

بحسب ما ورد في بلاغ المجلس فإن التحقيقات الأولية التي باشرتها مصالح البحث التابعة له أفضت إلى وجود قرائن تفيد بأن إحدى الشركات الكبرى في هذا القطاع قد تكون استغلت موقعها المهيمن في السوق بشكل تعسفي، وذلك من خلال فرض أسعار منخفضة بصورة غير مبررة، وإخضاع شركائها التجاريين لشروط غير عادلة، مستغلة ما وُصف بـ”حالة تبعية اقتصادية” لديهم.

هذه الممارسات إن ثبتت قد تشكل إخلالًا واضحًا بمبدأ التنافس الحر، عبر تقويض فرص الفاعلين الصغار والمتوسطين في السوق، والحد من التنوع في العرض، بل وحتى التأثير على جودة الخدمة المقدمة للمستهلكين. كما قد تؤدي إلى نشوء احتكار فعلي للقطاع من طرف فاعل واحد أو عدد محدود من الفاعلين، بما يُضعف دينامية الابتكار والمنافسة.

تنص المادة السابعة من القانون رقم 104.12 بشكل واضح على حظر كل استغلال تعسفي لوضع مهيمن أو لحالة تبعية اقتصادية لدى الزبناء أو الممونين، في حال كان لذلك أثر محتمل في عرقلة المنافسة أو تحريف مسارها الطبيعي. وتُعد هذه المادة حجر الزاوية في التصدي لكل أشكال الإخلال بتوازن السوق، خصوصًا في القطاعات الناشئة المرتبطة بالاقتصاد الرقمي، والتي تشهد نموًا متسارعًا وتطورات متلاحقة.

وتشمل الممارسات المحظورة وفق هذا الإطار القانوني: فرض حد أدنى للأسعار، رفض البيع، الشروط التمييزية، أو فرض شروط غير مبررة على الشركاء التجاريين، وهو ما قد يحد من حرية الاختيار لدى الفاعلين الاقتصاديين ويضر بالتنوع الاقتصادي.

تم تبليغ الشركة المعنية بلائحة المؤاخذات في إطار المسطرة الحضورية، والتي تُعد مرحلة تمهيدية تتيح للمعنيين بالأمر تقديم دفوعاتهم والاطلاع على الأدلة الموجهة ضدهم. ويؤكد مجلس المنافسة أن هذا الإجراء لا يشكل حكمًا مسبقًا في النازلة، إذ سيُعقد لاحقًا اجتماع تداولي للبت في الملف وفق المساطر القانونية المعمول بها، مع ضمان كافة حقوق الدفاع.

تُعد سوق توصيل الوجبات عبر التطبيقات والمنصات الرقمية من القطاعات الصاعدة في المغرب، حيث عرفت طفرة ملحوظة بعد جائحة كوفيد-19، التي غيّرت سلوكيات الاستهلاك ودعّمت الاعتماد على الوسائط الرقمية. ومع تزايد الطلب، برزت شركات محلية ودولية تتنافس على حصة السوق، مما أثار مخاوف من هيمنة عدد محدود من الفاعلين الكبار على حساب المقاولات الناشئة.

ويأتي تدخل مجلس المنافسة ليعيد طرح سؤال جوهري حول مستقبل تنظيم هذا القطاع الحيوي: كيف يمكن ضمان بيئة تنافسية عادلة تتيح للمبادرات الناشئة النمو، وتحمي في الوقت نفسه المستهلك من الممارسات غير الشفافة؟

في انتظار القرار النهائي للمجلس، يظل الملف مفتوحًا على احتمالات متعددة، لكن المؤكد أن السوق الرقمية المغربية قد دخلت مرحلة جديدة من التقنين والرقابة، تروم بناء منظومة عادلة ومتوازنة، تُواكب طموحات التحول الرقمي دون التفريط في المبادئ الاقتصادية الأساسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى