“رونو المغرب بين الاستثمار الأخضر والتحول الصناعي: اتفاقية جديدة ترسم ملامح صناعة السيارات في أفق 2030”

الرباط: إستثمار

يشكل استقبال رئيس الحكومة، السيد عزيز أخنوش، للمدير التنفيذي لمجموعة رونو حدثاً يحمل أبعاداً اقتصادية واستراتيجية تتجاوز الطابع البروتوكولي. فالاتفاقية الموقّعة تأتي في لحظة حاسمة تعرف فيها الصناعة العالمية تحولات كبرى نحو الرقمنة والطاقة النظيفة، وهو ما يسعى المغرب إلى مواكبته تحت الرؤية الملكية التي جعلت من الصناعة الميكانيكية رافعة للتنمية المندمجة.

بالمقارنة مع العقد الماضي، يظهر أن المملكة انتقلت من موقع المزوّد الصناعي إلى شريك تكنولوجي واستثماري في المنظومات العالمية، خاصة في قطاع السيارات الذي أصبح يمثل حجر الزاوية في الصادرات المغربية، بما يفوق 100 مليار درهم سنوياً.

2. اتفاقية رونو 2025–2030: من التصنيع إلى الابتكار

الملحق الجديد للاتفاقية الاستثمارية بين الدولة المغربية ومجموعة رونو لا يقتصر على خلق 7.500 منصب شغل مباشر وغير مباشر، بل يؤشر إلى انتقال نوعي في طبيعة الاستثمارات. فبعد مرحلة التركيز على التجميع والإنتاج، تتجه المجموعة نحو الابتكار الصناعي والهندسة التقنية، عبر إنشاء مركز بحث وتطوير قبل نهاية سنة 2025.

هذا التوجه يجعل المغرب جزءاً من خارطة تطوير السيارات الذكية والهجينة، وليس مجرد موقع إنتاج منخفض الكلفة. وهنا يكمن الفرق الجوهري بين اتفاقيات الجيل الجديد والاستثمارات التقليدية السابقة.

3. مقارنة تحليلية: رونو بين المغرب والمنصات المنافسة

على الصعيد الدولي، تتنافس دول مثل تركيا والمكسيك ورومانيا على استقطاب مصانع السيارات الكبرى، غير أن المغرب استطاع ترسيخ موقعه بفضل مزيج فريد من الاستقرار السياسي، البنية التحتية المتقدمة، والتكامل اللوجستي عبر ميناء طنجة المتوسط.

بالمقابل، يراهن على تطوير اليد العاملة المؤهلة وبرامج التكوين المهني، لتقليص الفجوة التكنولوجية مع الدول المصنعة، وهو ما يشكل تحدياً حقيقياً في المرحلة المقبلة، خاصة مع التحول السريع نحو السيارات الكهربائية والهجينة.

4. أثر اقتصادي وتنموي مزدوج

يمثل الملحق الجديد استثماراً يوازن بين البعد الاقتصادي والاجتماعي. فمن جهة، سيساهم في رفع القيمة المضافة المحلية من خلال دمج المقاولات المغربية في سلاسل التوريد، ومن جهة أخرى سيخلق فرص تشغيل نوعية تهم المهندسين والتقنيين في مجالات البرمجة، الإلكترونيات، والطاقة النظيفة.

كما أن التركيز على الاستدامة يعكس انسجام المغرب مع التزاماته المناخية الدولية، خصوصاً في أفق “التحول الأخضر” الذي أصبح محوراً رئيسياً في السياسات العمومية.

5. نحو صناعة سيارات مغربية بطابع مستقبلي

إنّ إطلاق خطة رونو التنموية 2025–2030 يشكل خطوة جديدة نحو تموقع المغرب كـ مركز إقليمي لصناعة السيارات الكهربائية في إفريقيا. فالمؤشرات الحالية – من حجم الإنتاج (أكثر من 413 ألف سيارة سنة 2024) إلى نسبة التصدير التي بلغت 90% نحو 68 بلداً – تؤكد أن المملكة دخلت فعلياً مرحلة التحول الصناعي المتقدم.

ولئن كانت رونو أول من آمن بقدرات المنصة الصناعية المغربية، فإن الاتفاقية الجديدة تمثل تجديداً للثقة وتوسيعاً لآفاق الشراكة نحو مجالات البحث والابتكار الأخضر.

لا تمثل اتفاقية رونو مجرد التزام استثماري جديد، بل هي إعلان عن دخول المغرب مرحلة النضج الصناعي، حيث لم يعد رهانه مقتصراً على التصنيع والتجميع، بل على الابتكار والتموقع داخل الاقتصاد الصناعي الأخضر العالمي. إنها خطوة في مسار التحول من “صنع في المغرب” إلى “ابتُكر في المغرب”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى