خطبة ضد الفساد توقف خطيبًا.. وصمت الوزارة يغذي التساؤلات

الرباط: حسن الخباز

في خطوة متكررة تثير الجدل، وجد خطيب جمعة نفسه خارج المنبر بعد أن تجرأ وتناول بقوة واحدة من أكثر القضايا إيلامًا في الواقع المغربي: نهب المال العام. لم يكن خطاب الخطيب خالد التواج في مسجد الحاج الريفي بالرباط مجرد موعظة دينية تقليدية، بل كان تشريحًا لجريمة اقتصادية واجتماعية تمس حياة الملايين، مستشهدًا بأمثلة حية من وقائع إعلامية دون ذكر أسماء، امتثالًا للأخلاق الإسلامية.

هذا القرار الوزاري لم يأتِ ردًا على شكوى مؤسسة أو هيئة رقابية، بل بناءً على شكوى فرد واحد صلى في ذلك اليوم. هذه المفارقة تضعنا أمام تساؤل جوهري: أين تكمن الجريمة الحقيقية؟ في خطيب يرفع صوته ضد الفساد المعترف به رسميًا، أم في نظام يسمح بإسكات صوت يناصر قضية يعاني منها الشعب ويحاربها العرش؟

اللافت أن الخطبة كانت متوافقة في جوهرها مع الموضوع الرسمي ليوم 10 أكتوبر حول “التحذير من الإسراف والتبذير”، مما يطرح إشكالية أعمق: هل المشكلة في المضمون أم في الجرأة التي تجسده؟ يبدو أن الوزارة تريد خطباء يرددون نصوصًا مجردة عن الواقع، بعيدًا عن أي تطبيق عملي قد يزعج أصحاب النفوذ أو يلمس جراح المجتمع الحقيقية.

ردود الفعل الغاضبة على وسائل التواصل ليست مجرد تضامن عابر، بل تعبير عن تراكم إحباط جماعي من سياسة “التطييف” التي تفرغ الخطاب الديني من مضمونه الاجتماعي. المغاربة يتساءلون: كيف تُكافأ جهود محاربة الفساد بالإيقاف، بينما يتمتع الفاسدون المعلن عنهم بحرية تامة؟ هذه الواقعة ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة، تثبت أن بعض الأصوات لا تزال تفضل صوت المنبر الخالي من المضمون على صوت الحقيقة الذي قد يسبب إزعاجًا.

الرسالة التي يبعثها هذا القرار خطيرة: يمكنك الحديث عن الفساد كمفهوم مجرد، لكن ممنوع أن تسمي الأشياء بأسمائها أو تذكر تجلياتها على أرض الواقع. في هذه المعادلة، تخسر الوزارة مصداقيتها تدريجيًا، ويفقد المجتمع ثقته في مؤسسة دينية يفترض أن تكون في الصف الأول للدفاع عن الحق والعدل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى