جريمة في صوامع الدقيق:اتهامات بالغش تهدد الأمن الغذائي للمغاربة

الرباط: إستثمار

ما كشف عنه النائب البرلماني أحمد التويزي حول مزاعم طحن الورق وخلطه بالدقيق المدعم لم يكن مجرد تصريح عابر، بل كان بمثابة صخرة ألقيت في بركة راكدة من الشكوك المجتمعية المتراكمة. التصريح نفسه، بغض النظر عن درجة صحته، يمثل اختراقاً للخطاب الرسمي المطمئن والمكرر، ملقياً الضوء على منطقة رمادية خطيرة حيث تختلط السياسة بالأمن الغذائي وتتصادم المصالح مع حقوق الناس الأساسية.

اللافت في ردود الفعل هو ذلك الانقسام الحاد بين مسارعين: مسار المؤسسات الرسمية الذي يسارع إلى الدفاع عن القطاع ورفض الاتهامات بشكل قاطع، ومسار المجتمع المدني الذي يرفع سقف مطالبته إلى حدود المطالبة بتدخل النيابة العامة وإعادة هيكلة النظام برمته. هذا الاستقطاب لا يعكس فقط أزمة ثقة، بل يكشف عن فجوة خطيرة في الخطاب الرسمي الذي فشل في طمأنة الرأي العام بشكل حاسم.

الخطير في هذه القضية ليس فقط احتمال تلوث الغذاء، بل الانزياح الخطير في النقاش من مجرد شكاوى حول جودة المنتج إلى اتهامات باختلاط الورق بالطعام. هذا الانزياح يشير إلى أن جسور الثقة بين المواطن والنظام الغذائي قد تعرضت لاهتزاز عنيف، وأن العقد الاجتماعي الضمني القائم على توفير الحد الأدنى من الغذاء الآمن لم يعد قائماً.

المطالبات بإعادة هيكلة منظومة الدعم تظهر أن القضية تتجاوز مجرد “فضيحة” محتملة إلى تشريح نظام بأكمله. الانتقال من الدعم العيني إلى الدعم النقدي، كما يقترح البعض، ليس مجرد حل تقني، بل هو اعتراف ضمني بعجز المنظومة الحالية وفسادها. كما أن الدعوة إلى تفعيل دور البرلمان ووسائل الإعلام تؤكد أن أزمة المراقبة ليست في المطاحن فقط، بل في المؤسسات الرسمية ذاتها.

التهديد الحقيقي في هذه القضية المزدوج: إذا ثبتت التهمة، فإننا أمام جريمة اقتصادية وصحية بشعة. وإذا بطلت، فإننا أمام استنزاف منهجي لثقة المواطن في مؤسساته وطعامه. في كلا الحالتين، الخاسر الأكبر هو المواطن البسيط الذي أصبحت كرامته وصحته رهينة صراعات لا يراها إلا من خلال تصريحات إعلامية تزيد من حيرته وخوفه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى